قال تعالى : (
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ) ( 40 ) .
قوله تعالى : (
قل أرأيتكم ) : يقرأ بإلقاء حركة الهمزة على اللام ؛ فتنفتح اللام ، وتحذف الهمزة ، وهو قياس مطرد في القرآن وغيره ، والغرض منه التخفيف .
ويقرأ بالتحقيق ، وهو الأصل ، وأما الهمزة التي بعد الراء فتحقق على الأصل ، وتلين للتخفيف ، وتحذف ، وطريق ذلك أن تقلب ياء ، وتسكن ، ثم تحذف لالتقاء الساكنين ، قرب ذلك فيها حذفها في مستقبل هذا الفعل .
فأما التاء فضمير الفاعل ، فإذا اتصلت بها الكاف التي للخطاب كانت بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث . وتختلف هذه المعاني على الكاف ؛ فتقول في الواحد أرأيتك ، ومنه قوله تعالى : (
أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) [ الإسراء : 62 ] وفي التثنية أرأيتكما ، وفي الجمع أرأيتكم ، وفي المؤنث أرأيتكن ، والتاء في جميع ذلك مفتوحة .
والكاف حرف للخطاب ، وليست اسما ، والدليل على ذلك أنها لو كانت اسما لكانت إما مجرورة ، وهو باطل ، إذ لا جار هنا ، أو مرفوعة ، وهو باطل أيضا ؛ لأمرين أحدهما : أن الكاف ليست من ضمائر المرفوع .
والثاني : أنه لا رافع لها إذ ليست فاعلا ؛ لأن التاء فاعل ، ولا يكون لفعل واحد فاعلان ، وإما أن تكون منصوبة ، وذلك باطل لثلاثة أوجه :
[ ص: 369 ] أحدها : أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعولين ، كقولك : أرأيت زيدا ما فعل ، فلو جعلت الكاف مفعولا لكان ثالثا . والثاني : أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى ، وليس المعنى على ذلك ، إذ ليس الغرض أرأيت نفسك ؛ بل أرأيت غيرك ، ولذلك قلت أرأيتك زيدا ، وزيد غير المخاطب ، ولا هو بدل منه . والثالث : أنه لو كان منصوبا على أنه مفعول ، لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء ، فكنت تقول أرأيتماكما ، وأرأيتموكم ، وأرأيتكن .
وقد ذهب الفراء إلى أن الكاف اسم مضمر منصوب في معنى المرفوع ، وفيما ذكرناه إبطال لمذهبه ، فأما مفعول أرأيتكم في هذه الآية ، فقال قوم : هو محذوف دل الكلام عليه ؛ تقديره : أرأيتكم عبادتكم الأصنام ، هل تنفعكم عند مجيء الساعة ، ودل عليه قوله : "
أغير الله تدعون " .
وقال آخرون : لا يحتاج هذا إلى مفعول ؛ لأن الشرط وجوابه قد حصل معنى المفعول ، وأما جواب الشرط الذي هو قوله : "
إن أتاكم عذاب الله " فما دل عليه الاستفهام في قوله : " أغير الله " تقديره : إن أتتكم الساعة دعوتم الله .
" وغير " منصوب بـ : " تدعون " .
قال تعالى : (
بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ) ( 41 ) .
قوله تعالى : (
بل إياه ) : هو مفعول " تدعون " الذي بعده .
( إليه ) : يجوز أن يتعلق بتدعون ، وأن يتعلق بيكشف ؛ أي : يرفعه إليه .
و " ما " بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، وليست مصدرية إلا أن تجعلها مصدرا بمعنى المفعول .
قال تعالى : (
ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ) ( 42 ) .
قوله تعالى : (
بالبأساء والضراء ) : فعلاء فيهما مؤنث لم يستعمل منه مذكر ، لم يقولوا : بأس وبأساء ، وضر وضراء ، كما قالوا : أحمر وحمراء .
قال تعالى : (
فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) ( 43 ) .
قوله تعالى : (
فلولا إذ ) : " إذ " في موضع نصب ظرف لـ " تضرعوا " ؛ أي : فلولا تضرعوا إذ . ( ولكن ) : استدراك على المعنى ؛ أي : ما تضرعوا ولكن .
قال تعالى : (
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) ( 44 ) .
[ ص: 370 ] قوله تعالى : ( بغتة ) : مصدرية في موضع الحال من الفاعل ؛ أي : مباغتين ، أو من المفعولين أو مبغوتين .
ويجوز أن يكون مصدرا على المعنى ؛ لأن أخذناهم بمعنى بغتناهم .
(
فإذا هم ) : إذا هنا للمفاجأة ، وهي ظرف مكان ، وهم مبتدأ ، و ( مبلسون ) : خبره ، وهو العامل في إذا .
قال تعالى : (
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ) ( 46 ) .
قوله تعالى : (
إن أخذ الله سمعكم ) : قد ذكرنا الوجه في إفراد السمع مع جمع الأبصار والقلوب في أول البقرة . ( من ) : استفهام في موضع رفع بالابتداء ، و : ( إله ) : خبره ، و ( غير الله ) : صفة الخبر . و ( يأتيكم ) : في موضع الصفة أيضا ، والاستفهام هنا بمعنى الإنكار .
والهاء في " به " تعود على السمع ، لأنه المذكور أولا . وقيل : تعود على معنى المأخوذ والمحتوم عليه ، فلذلك أفرد . " كيف " حال ، والعامل فيها " نصرف " .