قال تعالى : (
وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ) ( 73 ) .
[ ص: 379 ] قوله تعالى : (
ويوم يقول ) : فيه جملة أوجه : أحدها : هو معطوف على الهاء في " اتقوه " ؛ أي : واتقوا عذاب يوم يقول .
والثاني : هو معطوف على السماوات ؛ أي : خلق يوم يقول .
والثالث : هو خبر " قوله الحق " أي : وقوله الحق يوم يقول ، والواو داخلة على الجملة المقدم فيها الخبر ، والحق صفة لقوله .
والرابع : هو ظرف لمعنى الجملة التي هي قوله الحق ؛ أي : يحق قوله في يوم يقول كن .
والخامس : هو منصوب على تقدير واذكر ، وأما فاعل " فيكون " ففيه أوجه : أحدها : هو جميع ما يخلقه الله في يوم القيامة .
والثاني : هو ضمير المنفوخ فيه من الصور دل عليه قوله : "
يوم ينفخ في الصور " .
والثالث : هو ضمير اليوم . والرابع : هو قوله الحق ؛ أي : فيوجد قوله الحق ، وعلى هذا يكون قوله بمعنى مقوله ؛ أي : فيوجد ما قال له كن .
فخرج مما ذكرنا أن " قوله " يجوز أن يكون فاعلا ، و " الحق " صفته ، أو مبتدأ ، واليوم خبره ، و " الحق " صفته وأن يكون مبتدأ ، و " الحق " صفته ، و " يوم ينفخ " خبره ، أو مبتدأ ، و " الحق " خبره .
قوله تعالى : (
يوم ينفخ ) : يجوز أن يكون خبر " قوله " على ما ذكرنا ، وأن يكون ظرفا للملك ، أو حالا منه ، والعامل له ، أو ظرفا لتحشرون ، أو ليقول ، أو لقوله " الحق " ، أو لقوله " عالم الغيب " . (
عالم الغيب ) : الجمهور على الرفع ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وأن يكون فاعل " يقول كن " ، وأن يكون صفة للذي .
وقرئ بالجر بدلا من رب العالمين أو من الهاء في له .
قال تعالى : (
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ) ( 74 ) .
قوله تعالى : (
وإذ قال إبراهيم ) : إذ في موضع نصب على فعل محذوف ؛ أي : واذكروا ، وهو معطوف على أقيموا . و (
آزر ) : يقرأ بالمد ، ووزنه " أفعل " ، ولم ينصرف للعجمة والتعريف على قول من لم يشتقه من الأزر أو الوزر ، ومن اشتقه من واحد منهما قال : هو عربي ، ولم يصرفه للتعريف ووزن الفعل ، ويقرأ بفتح الراء على أنه بدل من أبيه ، وبالضم على النداء .
وقرئ في الشاذ بهمزتين مفتوحتين وتنوين الراء وسكون الزاي ، والأزر الخلق مثل الأسر .
[ ص: 380 ] ويقرأ بفتح الأولى وكسر الثانية ، وفيه وجهان : أحدهما : أن الهمزة الثانية فاء الكلمة ، وليست بدلا ، ومعناها النقل .
والثاني : هي بدل من الواو ، قال : وأصلها وزر ؛ كما قالوا وعاء وإعاء ، ووسادة وإسادة . والهمزة الأولى على هاتين القراءتين للاستفهام بمعنى الإنكار ، ولا همزة في تتخذ ، وفي انتصابه على هذا وجهان : أحدهما : هو مفعول من أجله ؛ أي : لتحيرك ، واعوجاج دينك تتخذ .
والثاني : هو صفة لأصنام قدمت عليها وعلى العامل فيها فصارت حالا ؛ أي : أتتخذ أصناما ملعونة أو معوجة . و ( أصناما ) : مفعول أول .
و ( آلهة ) : ثان . وجاز أن يجعل المفعول الأول نكرة لحصول الفائدة من الجملة ، وذلك يسهل في المفاعيل ما لا يسهل من المبتدأ .