[ ص: 44 ] قال تعالى : (
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ( 30 ) ) .
قوله تعالى : (
وإذ قال ) : هو مفعول به ، تقديره : واذكر إذ قال .
وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : وابتداء خلقي إذ قال ربك . وقيل : زائدة و (
للملائكة ) : مختلف في واحدها وأصلها ; فقال قوم أحدهم في الأصل مألك على مفعل ; لأنه مشتق من الألوكة وهي الرسالة ، ومنه قول الشاعر :
وغلام أرسلته أمه بألوك فبذلنا ما سأل
.
فالهمزة فاء الكلمة ، ثم أخرت فجعلت بعد اللام ، فقالوا : ملأك ; قال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملاك تنزل من جو السماء يصوب .
فوزنه الآن معفل ، والجمع ملائكة على معافلة .
وقال آخرون : أصل الكلمة لأك ، فعين الكلمة همزة ، وأصل ملك ملأك من غير نقل . وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام ، وحذفت ; فلما جمعت ردت فوزنه الآن مفاعلة .
وقال آخرون : عين الكلمة واو وهو من لاك يلوك ، إذا أدار الشيء في فيه ; فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه ، فيكون أصل ملك : مثل معاد ، ثم حذفت عينه تخفيفا ; فيكون أصل ملائكة مثل مقاولة ; فأبدلت الواو همزة ، كما أبدلت واو مصائب .
وقال آخرون : ملك فعل من الملك وهي القوة ، فالميم أصل ، ولا حذف فيه ، لكنه جمع على فعائلة شاذا : (
جاعل ) : يراد به الاستقبال ، فلذلك عمل .
ويجوز أن يكون بمعنى خالق ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، وأن يكون بمعنى مصير ، فيتعدى إلى مفعولين ، ويكون : في الأرض هو الثاني . (
خليفة ) : فعيلة بمعنى فاعل ; أي يخلف غيره ، وزيدت الهاء للمبالغة .
(
أتجعل ) : الهمزة للاسترشاد ; أي أتجعل فيها من يفسد كما كان فيها من قبل .
وقيل : استفهموا عن أحوال أنفسهم ; أي أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك ، أو نتغير . ( يسفك ) : الجمهور على التخفيف وكسر الفاء ، وقد قرئ بضمها ، وهما لغتان ، ويقرأ بالتشديد للتكثير . وهمزة (
الدماء ) منقلبة عن ياء لأن الأصل دمى ; لأنهم قالوا دميان .
(
بحمدك ) : في موضع الحال ; تقديره نسبح مشتملين بحمدك ، أو متعبدين بحمدك . (
ونقدس لك ) : أي لأجلك ; ويجوز أن تكون اللام زائدة ; أي نقدسك .
[ ص: 45 ] ويجوز أن تكون معدية للفعل ، كتعدية الباء مثل سجدت لله .
(
إني أعلم ) : الأصل إنني ، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية ; هذا هو الصحيح . ( وأعلم ) : يجوز أن يكون فعلا ، ويكون ما مفعولا إما بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل ، فيكون ما في موضع جر بالإضافة .
ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم ، كقولهم : هؤلاء حواج بيت الله بالنصب والجر ; وسقط التنوين ، لأن هذا الاسم لا ينصرف . فإن قلت أفعل لا ينصب مفعولا قيل إن كانت من معه مرادة لم ينصب ، وأعلم هنا بمعنى عالم ، ويجوز أن يريد بأعلم : أعلم منكم ، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم ، ومثله قوله : (
هو أعلم من يضل عن سبيله ) [ الأنعام : 117 ] .
قال تعالى : (
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 31 ) ) .
قوله تعالى : (
وعلم ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون معطوفا على : (
قال ربك ) : وموضع جر ، كموضع قال ، وقوى ذلك إضمار الفاعل . وقرئ : " وعلم آدم " على ما لم يسم فاعله . و (
آدم ) : أفعل ، والألف فيه مبدلة من همزة هي فاء الفعل ; لأنه مشتق من أديم الأرض ، أو من الأدمة ; ولا يجوز أن يكون وزنه فاعلا ; إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم ، والتعريف وحده لا يمنع وليس بأعجمي .
(
ثم عرضهم ) : يعني أصحاب الأسماء فلذلك ذكر الضمير .
(
هؤلاء إن كنتم ) : يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل . ويقرأ بهمزة واحدة ; قيل : المحذوفة هي الأولى ، لأنها لام الكلمة ، والأخرى أول الكلمة الأخرى ، وحذف الآخر أولى . وقيل المحذوفة الثانية ; لأن الثقل بها حصل .
[ ص: 46 ] ويقرأ بتليين الهمزة الأولى وتحقيق الثانية ، وبالعكس ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة ، كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف .