قال تعالى : (
وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ( 41 ) ) قوله تعالى : (
بسم الله مجراها ) : مجراها مبتدأ ، وبسم الله خبره ، والجملة حال مقدرة ، وصاحبها الواو في " اركبوا " .
ويجوز أن ترفع مجراها ببسم الله على أن تكون " بسم الله " حالا من الواو في اركبوا . ويجوز أن تكون الجملة حالا من الهاء ; تقديره : اركبوا فيها وجريانها بسم الله ; وهي مقدرة أيضا . وقيل : مجراها ومرساها ظرفا مكان ، وبسم الله حال من الواو ; أي مسمين موضع جريانها .
ويجوز أن يكون زمانا ; أي وقت جريانها .
ويقرأ بضم الميم فيهما ، وهو مصدر أجريت مجرى ; وبفتحهما ، وهو مصدر جريت ورسيت .
ويقرأ بضم الميم وكسر الراء والسين وياء بعدهما ، وهو صفة لاسم الله عز وجل .
قال تعالى : (
وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ( 42 ) ) .
قوله تعالى : (
وهي تجري بهم ) : يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في بسم الله ; أي جريانها بسم الله ، وهي تجري بهم .
ويجوز أن تكون مستأنفة ، و " بهم " حال من الضمير في تجري ; أي وهم فيها .
(
نوح ابنه ) الجمهور على ضم الحاء ، وهو الأصل .
وقرئ بإسكانها على إجراء الوصل مجرى الوقف .
[ ص: 31 ] ويقرأ : ابنها يعني ابن امرأته ; كأنه توهم إضافته إليها دونه ، لقوله : (
إنه ليس من أهلك ) . ويقرأ بفتح الهاء من غير ألف ، وحذف الألف تخفيفا ، والفتحة تدل عليها ; ومثله : " يا أبت " فيمن فتح .
ويقرأ " ابناه " على الترثي وليس بندبة لأن الندبة لا تكون بالهمزة .
(
في معزل ) : بكسر الزاي موضع ، وليس بمصدر ، وبفتحها مصدر ، ولم أعلم أحدا قرأ بالفتح .
(
يابني ) : يقرأ بكسر الياء وأصله بني بياء التصغير وياء هي لام الكلمة ، وأصلها واو عند قوم وياء عند آخرين ، والياء الثالثة ياء المتكلم ولكنها حذفت لدلالة الكسرة عليها فرارا من توالي الياءات ، ولأن النداء موضع تخفيف . وقيل : حذفت من اللفظ لالتقائها مع الراء في " اركب " .
ويقرأ بالفتح ; وفيه وجهان ; أحدهما : أنه أبدل الكسرة فتحة ، فانقلبت ياء الإضافة ، ثم حذفت الألف كما حذفت الياء مع الكسرة ; لأنها أصلها والثاني : أن الألف حذفت من اللفظ لالتقاء الساكنين .
قال تعالى : (
قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ( 43 ) ) .
قوله تعالى : (
لا عاصم اليوم ) : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه اسم فاعل على بابه ; فعلى هذا يكون قوله تعالى : (
إلا من رحم ) فيه وجهان : أحدهما : هو استثناء متصل ، و " من رحم " بمعنى الراحم ; أي لا عاصم إلا الله . والثاني : أنه منقطع ; أي لكن من رحمه الله يعصم .
الوجه الثاني : أن عاصما بمعنى معصوم ; مثل (
ماء دافق ) [ الطارق : 6 ] أي مدفوق ; فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا ; أي إلا من رحمه الله . والثالث : أن عاصما بمعنى ذا عصمة على النسب ، مثل حائض وطالق ، والاستثناء على هذا متصل أيضا . فأما
[ ص: 32 ] خبر " لا " فلا يجوز أن يكون " اليوم " ;لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ، بل الخبر " من أمر الله " و " اليوم " معمول " من أمر " ولا يجوز أن يكون اليوم معمول عاصم ; إذ لو كان كذلك لنون .