قال تعالى : (
وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ( ( 49 ) ) .
قوله تعالى : (
وإذ نجيناكم ) : إذ في موضع نصب معطوفا على (
اذكروا نعمتي ) [ البقرة : 50 ] ، (
وإذ واعدنا ) [ البقرة : 51 ] ،
وإذ قلتم ياموسى ، وما كان مثله من العطوف . (
من آل فرعون ) : أصل آل أهل ، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل آدم وآمن ، وتصغيره أهيل ; لأن التصغير يرد إلى الأصل ، وقال بعضهم : أويل ، فأبدل الألف واوا ، ولم يرده إلى الأصل كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله .
وقيل أصل آل أول ، من آل يئول ; لأن الإنسان يئول إلى أهله ،
وفرعون أعجمي معرفة . (
يسومونكم ) : في موضع نصب على الحال من آل .
(
سوء العذاب ) : مفعول به ; لأن يسومونكم متعد إلى مفعولين يقال سمته الخسف أي ألزمته الذل . (
يذبحون ) : في موضع حال إن شئت من " آل " على أن يكون بدلا من الحال الأولى ; لأن حالين فصاعدا لا تكون عن شيء واحد ، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول ، والعامل لا يعمل في مفعولين على هذا الوصف ، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم والجمهور على تشديد الباء للتكثير ، وقرئ بالتخفيف .
(
بلاء ) : الهمزة بدل من واو ; لأن الفعل منه بلوته ، ومنه قوله : (
ولنبلونكم ) . (
من ربكم ) : في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف .
قال تعالى : (
وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ( 50 ) ) .
قوله تعالى : (
فرقنا بكم البحر ) : بكم في موضع نصب مفعول ثان ، والبحر مفعول
[ ص: 56 ] أول ، والباء هنا في معنى اللام . ويجوز أن يكون التقدير : بسببكم . ويجوز أن تكون المعدية كقولك : ذهبت بزيد فيكون التقدير : أفرقناكم البحر ، ويكون في المعنى كقوله تعالى : (
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ) [ الأعراف : 138 ] . ويجوز أن تكون الباء للحال ; أي فرقنا البحر ، وأنتم به ، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة . (
وأنتم تنظرون ) : في موضع الحال ، والعامل " أغرقنا " .
قال تعالى : (
وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ) ( ( 51 ) ) .
قوله تعالى : (
واعدنا موسى ) : وعد يتعدى إلى مفعولين ، تقول وعدت زيدا مكان كذا ، ويوم كذا ، فالمفعول الأول
موسى ، و "
أربعين " المفعول الثاني ، وفي الكلام حذف تقديره تمام أربعين ، وليس أربعين ظرفا ، إذ ليس المعنى وعده في أربعين .
ويقرأ واعدنا بألف ، وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين ، بل مثل قولك : عافاه الله ، وعاقبت اللص . وقيل : هو من ذلك ; لأن الوعد من الله ، والقبول من
موسى ، فصار كالوعد منه ، وقيل : إن الله أمر
موسى أن يعد بالوفاء ففعل .
و (
موسى ) : مفعل ، من أوسيت رأسه ، إذا حلقته ; فهو مثل أعطى فهو معطى .
وقيل : هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه ، فموسي الحديد من هذا المعنى ; لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق ، فالواو في
موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ما قبلها .
وموسى اسم النبي لا يقضى عليه بالاشتقاق ; لأنه أعجمي وإنما يشتق
موسى الحديد . (
ثم اتخذتم العجل ) : ; أي إلها ، فحذف المفعول الثاني ، ومثله : باتخاذكم العجل ، وقد تأتي اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل ; كقوله تعالى : (
وقالوا اتخذ الله ولدا ) [ البقرة : 116 ] وكقولك : اتخذت دارا وثوبا ، وما أشبه ذلك ، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، ويجوز الإظهار على الأصل .
(
من بعده ) : أي من بعد انطلاقه ، فحذف المضاف .