قال تعالى : (
وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 57 ) ) .
قوله تعالى : (
وظللنا عليكم الغمام ) : أي جعلناه ظلا ، وليس كقولك : ظللت زيدا بظل ; لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الغمام مستورا بظل آخر ، ويجوز أن يكون التقدير بالغمام ، و (
الغمام ) : جمع غمامة ، والصحيح أن يقال هو جنس ، فإذا أردت الواحد زدت عليه التاء .
قوله تعالى : (
المن والسلوى ) : جنسان : (
كلوا من طيبات ) : " من " هنا للتبعيض أو لبيان الجنس والمفعول محذوف والتقدير : كلوا شيئا من طيبات . (
أنفسهم ) : مفعول يظلمون ، وقد أوقع أفعلا ، وهو من جموع القلة موضع جمع الكثرة .
قال تعالى : (
وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) ( ( 58 ) ) .
قوله تعالى : (
هذه القرية ) : القرية نعت لهذه . (
سجدا ) : حال ، وهو جمع ساجد ، وهو أبلغ من السجود . ( حطة ) : خبر مبتدأ محذوف ; أي سؤالنا حطة ، وموضع الجملة نصب بالقول .
وقرئ حطة بالنصب على المصدر ; أي حط عنا حطة . (
نغفر لكم ) : جواب الأمر ، وهو مجزوم في الحقيقة بشرط محذوف ، تقديره : إن تقولوا ذلك نغفر لكم ، والجمهور على إظهار الراء عند اللام ، وقد أدغمها قوم ، وهو ضعيف ; لأن الراء مكررة ; فهي في تقدير حرفين ; فإذا أدغمت ذهب أحدهما ; واللام المشددة لا تكرير فيها ; فعند ذلك يذهب التكرير القائم مقام حرف . ويقرأ " تغفر لكم " بالتاء على ما لم يسم فاعله .
[ ص: 59 ] وبالياء كذلك ، لأنه فصل بين الفعل والفاعل ، ولأن تأنيث الخطايا غير حقيقي .
(
خطاياكم ) : هو جمع خطيئة ، وأصله عند
الخليل خطائئ بهمزتين الأولى منهما مكسورة ، وهي المنقلبة عن الياء الزائدة في خطيئة ، فهو مثل صحيفة وصحائف ، فاستثقل الجمع بين الهمزتين فنقلوا الهمزة الأولى إلى موضع الثانية ، فصار وزنه فعالئ . وإنما فعلوا ذلك لتصير المكسورة طرفا ، فتنقلب ياء فتصير فعالى ، ثم أبدلوا من كسرة الهمزة الأولى فتحة ، فانقلبت الياء بعدها ألفا كما قالوا في : يا لهفي ، ويا أسفي ، فصارت الهمزة بين ألفين ، فأبدل منها ياء ; لأن الهمزة قريبة من الألف ; فاستكرهوا اجتماع ثلاث ألفات ، فخطايا فعالى ففيها على هذا خمس تغييرات : تقديم اللام عن موضعها ، وإبدال الكسرة فتحة ، وإبدال الهمزة الأخيرة ياء ، ثم إبدالها ألفا ، ثم إبدال الهمزة التي هي لام ياء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : أصلها خطائئ ، كقول
الخليل ، إلا أنه أبدل الهمزة الثانية ياء لانكسار ما قبلها ، ثم أبدل من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا ، ثم أبدل الهمزة ياء ، فلا تحويل على مذهبه . وقال
الفراء : الواحدة خطية بتخفيف الهمزة والإدغام فهو مثل مطية ومطايا .
قال تعالى : (
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 59 ) ) .
قوله تعالى : (
فبدل الذين ظلموا قولا ) : في الكلام حذف تقديره : فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم ; فبدل يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه ، وإلى آخر بالباء ، والذي مع الباء هو المتروك ، والذي بغير باء هو الموجود كقول أبي النجم :
وبدلت والدهر ذو تبدل هيفا دبورا بالصبا والشمأل
.
فالذي انقطع عنها " الصبا " ، والذي صار لها الهيف ، فكذلك هاهنا .
ويجوز أن يكون " بدل " محمول على المعنى تقديره : فقال الذين ظلموا قولا غير الذي ; لأن تبديل القول كان بقول . (
من السماء ) : في موضع نصب متعلق بـ (
أنزلنا ) . ويجوز أن يكون صفة لرجز فيتعلق بمحذوف ، والرجز بكسر الراء وضمها لغتان . (
بما كانوا ) : الباء بمعنى السبب ; أي عاقبناهم بسبب فسقهم .
[ ص: 60 ] قال تعالى : (
وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( 60 ) ) .
قوله تعالى : (
استسقى ) : الألف منقلبة عن ياء ; لأنه من السقي .
وألف العصا من واو ; لأن تثنيتها عصوان ، وتقول عصوت بالعصا ; أي ضربت بها ، والتقدير : فضرب .
(
فانفجرت منه اثنتا عشرة ) : من العرب من يسكن الشين ومنهم من يكسرها ، وقد قرئ بهما ، ومنهم من يفتحها . (
مفسدين ) : حال مؤكدة ; لأن قوله : لا تعثوا : لا تفسدوا .