قال تعالى : (
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ( 66 ) ) .
قوله تعالى : (
بطونه ) : فيما تعود الهاء عليه ستة أوجه ; أحدها : أن الأنعام تذكر وتؤنث ، فذكر الضمير على إحدى اللغتين . والثاني : أن الأنعام جنس ، فعاد الضمير إليه على المعنى . والثالث : أن واحد الأنعام نعم ، والضمير عائد على واحده ، كما قال الشاعر :
مثل الفراخ نتفت حواصله
والرابع : أنه عائد على المذكور ، فتقديره : مما في بطون المذكور ، كما قال الحطيئة :
لزغب كأولاد القطا راث خلفها على عاجزات النهض حمر حواصله والخامس : أنه يعود على البعض الذي له لبن منها . والسادس : أنه يعود على الفحل
[ ص: 112 ] لأن اللبن يكون من طرق الفحل الناقة ، فأصل اللبن ماء الفحل ; وهذا ضعيف ; لأن اللبن وإن نسب إلى الفحل فقد جمع البطون ، وليس فحل الأنعام واحدا ، ولا للواحد بطون ; فإن قال : أراد الجنس ، فقد ذكر .
(
من بين ) : في موضع نصب على الظرف . ويجوز أن يكون حالا من " ما " أو من اللبن .
(
سائغا ) : الجمهور على قراءته على فاعل . ويقرأ " سيغا " بياء مشددة ، وهو مثل سيد وميت ، وأصله من الواو .
قال تعالى : (
ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ( 67 ) ) .
قوله تعالى : (
ومن ثمرات ) : الجار يتعلق بمحذوف ، تقديره : وخلق لكم ، أو وجعل .
(
تتخذون ) : مستأنف . وقيل : صفة لمحذوف ، تقديره : شيئا تتخذون - بالنصب ; أي وإن من الثمرات شيئا .
وإن شئت : " شيء " - بالرفع - بالابتداء ، و " من ثمرات " خبره . وقيل : التقدير : وتتخذون من ثمرات النخيل سكرا ، وأعاد " من " لما قدم وأخر .
وذكر الضمير ; لأنه عاد على " شيء " المحذوف ، أو على معنى الثمرات ، وهو الثمر ، أو على النخل ; أي من ثمر النخل ، أو على البعض ، أو على المذكور كما تقدم في " هاء " بطونه .
قال تعالى : (
وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ( 68 ) ) . قوله تعالى : (
أن اتخذي ) : أي اتخذي ، أو تكون مصدرية .
قال تعالى : (
ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( 69 ) ) .
قوله تعالى : (
ذللا ) : هو حال من السبل ، أو من الضمير في " اسلكي " والواحد ذلول ، ثم عاد من الخطاب إلى الغيبة ، فقال : " يخرج من بطونها " .
(
فيه شفاء ) : يعود على الشراب ، وقيل : على القرآن .
قال تعالى : (
والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير ( 70 ) ) .
[ ص: 113 ] قوله تعالى : (
لا يعلم بعد علم شيئا ) : " شيئا " منصوب بالمصدر على قول البصريين . وبيعلم على قول الكوفيين .
قال تعالى : (
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ( 71 ) ) .
قوله تعالى : (
فهم فيه سواء ) : الجملة من المبتدأ والخبر هنا واقعة موقع الفعل والفاعل ; والتقدير : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت إيمانهم فيستووا ، وهذا الفعل منصوب على جواب النفي . ويجوز أن يكون مرفوعا عطفا على موضع برادي ; أي فما الذين فضلوا يردون ; فما يستوون .
قال تعالى : (
ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ( 73 ) ) .
قوله تعالى : (
رزقا من السماوات ) : الرزق بكسر الراء : اسم المرزوق . وقيل : هو اسم للمصدر ، والمصدر بفتح الراء . (
شيئا ) : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : هو منصوب برزق ; لأن اسم المصدر يعمل عمله ; أي لا يملكون أن يرزقوا شيئا . والثاني : هو بدل من رزق .
والثالث : هو منصوب نصب المصدر ; أي لا يملكون رزقا ملكا ، وقد ذكرنا نظائره ، كقوله : (
لا يضركم كيدهم شيئا ) : [ آل عمران : 120 ] .