قال تعالى : (
بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 81 ) ) .
قوله تعالى : (
بلى ) : حرف يثبت به المجيب المنفي قبله تقول : أما جاء زيد ؟ فيقول المجيب : بلى ; أي قد جاء ، ولهذا يصح أن تأتي بالخبر المثبت بعد بلى ، فتقول : بلى ، قد جاء ، فإن قلت في جواب النفي : نعم ، كان اعترافا بالنفي ، وصح أن تأتي بالنفي بعده ، كقوله : ما جاء زيد ؟ فتقول : نعم ، ما جاء .
والياء من نفس الحرف . وقال الكوفيون : هي بل ، زيدت عليها الياء وهو ضعيف .
(
من كسب ) : في " من " وجهان : أحدهما : هي بمعنى الذي ، والثاني : شرطية ، وعلى كلا الوجهين هي مبتدأة ، " إلا أن كسب " لا موضع لها إن كانت من موصولة ، ولها موضع إن كانت شرطية ، والجواب : فأولئك ، وهو مبتدأ و (
أصحاب النار ) : خبره ، والجملة جواب الشرط ، أو خبر من .
والسيئة على فيعلة ; مثل سيد وهين ، وقد ذكرناه في قوله : (
أو كصيب ) [ البقرة : 19 ] وعين الكلمة واو ، لأنه من ساءه يسوءه .
: ( به ) : يرجع إلى لفظ من ، وما بعده من الجمع يرجع إلى معناها ، ويدل على أن " من " بمعنى الذي المعطوف ، وهو قوله : (
والذين آمنوا ) .
[ ص: 72 ] قال تعالى : (
وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ( 83 ) ) .
قوله تعالى : (
لا تعبدون إلا الله ) : يقرأ بالتاء على تقدير : قلنا لهم لا تعبدون ، وبالياء ; لأن
بني إسرائيل اسم ظاهر ، فيكون الضمير وحرف المضارعة بلفظ الغيبة ; لأن الأسماء الظاهرة كلها غيب ، وفيها من الإعراب أربعة أوجه :
أحدها : أنه جواب قسم دل عليه المعنى ، وهو قوله : "
أخذنا ميثاق " ; لأن معناه أحلفناهم ، أو قلنا لهم بالله لا تعبدون . والثاني أن : " أن " مرادة ، والتقدير : أخذنا ميثاق
بني إسرائيل على أن لا تعبدوا إلا الله ، فحذف حرف الجر ، ثم حذف أن فارتفع الفعل ونظيره .
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى :
بالرفع والتقدير عن أن أحضر . والثالث أنه في موضع نصب على الحال تقديره أخذنا ميثاقهم موحدين ; وهي حال مصاحبة ، ومقدرة ; لأنهم كانوا وقت أخذ العهد موحدين ، والتزموا الدوام على التوحيد ، ولو جعلتها حالا مصاحبة فقط على أن يكون التقدير أخذنا ميثاقهم ملتزمين الإقامة على التوحيد جاز ، ولو جعلتها حالا مقدرة فقط جاز ويكون التقدير أخذنا ميثاقهم مقدرين التوحيد أبدا ما عاشوا .
والوجه الرابع أن يكون لفظه لفظ الخبر ، ومعناه النهي والتقدير : قلنا لهم لا تعبدوا ، وفيه وجه خامس ، وهو أن يكون الحال محذوفة ، والتقدير : أخذنا ميثاقهم قائلين كذا وكذا ، وحذف القول كثير ، ومثل ذلك قوله تعالى (
وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون ) [ البقرة : 84 ] .
(
إلا الله ) : مفعول تعبدون ، ولا عمل لإلا في نصبه إلا أن الفعل قبله لم يستوف مفعوله . (
وبالوالدين إحسانا ) : إحسانا مصدر أي : وقلنا أحسنوا بالوالدين إحسانا ، ويجوز أن يكون مفعولا به ، والتقدير : وقلنا استوصوا بالوالدين إحسانا ، ويجوز أن يكون مفعولا له ، أي ووصيناهم بالوالدين لأجل الإحسان إليهم .
(
وذي القربى ) : إنما أفرد ذي هاهنا لأنه أراد الجنس أو يكون وضع الواحد موضع الجمع وقد تقدم نظيره . (
واليتامى ) : جمع يتيم ; وجمع فعيل على فعالى قليل .
[ ص: 73 ] والميم في : (
والمساكين ) : زائدة ; لأنه من السكون .
(
وقولوا ) : أي وقلنا لهم قولوا .
(
حسنا ) : يقرأ بضم الحاء وسكون السين وبفتحهما وهما لغتان ; مثل العرب والعرب ; والحزن والحزن ; وفرق قوم بينهما فقالوا : الفتح صفة لمصدر محذوف ; أي قولا حسنا ، والضم على تقدير حذف مضاف أي قولا ذا حسن .
وقرئ بضم الحاء من غير تنوين على أن الألف للتأنيث .
(
إلا قليلا منكم ) : النصب على الاستثناء المتصل ، وهو الوجه .
وقرئ بالرفع شاذا ، ووجهه أن يكون بفعل محذوف كأنه قال : امتنع قليل ، ولا يجوز أن يكون بدلا ; لأن المعنى يصير : ثم تولى قليل ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف ; أي إلا قليل منكم لم يتول ; كما قالوا : ما مررت بأحد إلا ورجل من بني تميم خير منه ، ويجوز أن يكون توكيدا للضمير المرفوع المستثنى منه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه وأصحابه يسمونه نعتا ووصفا ، وأنشد
أبو علي في مثل رفع هذه الآية .
وبالصريمة منهم منزل خلق عاف تغير إلا النؤي والوتد
.
(
وأنتم معرضون ) : جملة في موضع الحال المؤكدة ; لأن توليتم يغني عنه .
وقيل المعنى توليتم بأبدانكم وأنتم معرضون بقلوبكم فعلى هذا هي حال منتقلة وقيل توليتم يعني آباءهم وأنتم معرضون يعني أنفسهم ; كما قال (
وإذ نجيناكم من آل فرعون ) [ البقرة : 39 ] يعني آباءهم .