قال تعالى : (
يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ( 5 ) ) .
[ ص: 218 ] قوله تعالى : (
من البعث ) : في موضع جر صفة لريب ; أو متعلق بريب .
وقرأ
الحسن : البعث بفتح العين ، وهي لغة .
(
ونقر ) : الجمهور على الضم على الاستئناف ; إذ ليس المعنى : خلقناكم لنقر .
وقرئ بالنصب على أن يكون معطوفا في اللفظ . والمعنى مختلف ; لأن اللام في " لنبين " للتعليل ، واللام المقدرة مع نقر للصيرورة .
وقرئ بفتح النون وضم القاف والراء ; أي نسكن .
و (
طفلا ) : حال ، وهو واحد في معنى الجمع . وقيل : التقدير : نخرج كل واحد منكم طفلا ، كما قال تعالى : (
فاجلدوهم ثمانين ) [ النور : 4 ] . أي كل واحد منهم .
وقيل : هو مصدر في الأصل ; فلذلك لم يجمع . (
من بعد علم شيئا ) : قد ذكر في النحل [ النحل : 70 ] .
(
وربت ) : بغير همز ، من ربا يربو ، إذا زاد .
وقرئ بالهمز ; وهو من ربأ للقوم وهو الربيئة ، إذا ارتفع على موضع عال لينظر لهم ; فالمعنى : ارتفعت .
(
وأنبتت ) : أي أشياء ، أو ألوانا ، أو من كل زوج بهيج زوجا ، فالمفعول محذوف . وعند
الأخفش : " من " زائدة .
قال تعالى : (
ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير ( 6 ) ) .
قوله تعالى : ( ذلك ) : مبتدأ ، و " بأن الله " الخبر . وقيل : المبتدأ محذوف ; أي الأمر ذلك . وقيل : في موضع نصب ; أي فعلنا ذلك .
قال تعالى : (
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( 8 ) ثاني
عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ( 9 ) ) .
قوله تعالى : (
بغير علم ) : حال من الفاعل في "
يجادل " .
و (
ثاني عطفه ) : حال أيضا ; والإضافة غير محضة ; أي معرضا .
(
ليضل ) : يجوز أن يتعلق بثاني ، وبيجادل .
[ ص: 219 ] (
له في الدنيا : يجوز أن تكون حالا مقدرة ، وأن تكون مقارنة ; أي مستحقا ويجوز أن يكون مستأنفا .
قال تعالى : (
ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ( 11 ) ) .
قوله تعالى : (
على حرف ) : هو حال ; أي مضطربا متزلزلا .
(
خسر الدنيا ) : هو حال ; أي انقلب قد خسر ; ويجوز أن يكون مستأنفا .
ويقرأ : خاسر الدنيا ، و "
خسر الدنيا " على أنه اسم ، وهو حال أيضا ، و " الآخرة " على هذا بالجر .
قال تعالى : (
يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير ( 12 ) ) .
قوله تعالى : (
يدعو لمن ضره ) : هذا موضع اختلف فيه آراء النحاة ، وسبب ذلك أن اللام تعلق الفعل الذي قبلها عن العمل إذا كان من أفعال القلوب ، ويدعو ليس منها . وهم في ذلك على طريقين ; أحدهما : أن يكون " يدعو " غير عامل فيما بعده لا لفظا ولا تقديرا ، وفيه على هذا ثلاثة أوجه ; أحدها : أن يكون تكريرا لـ " يدعو " الأولى ، فلا يكون له معمول . والثاني : أن يكون " ذلك " بمعنى الذي في موضع نصب بيدعو ; أي يدعو الذي هو الضلال ، ولكنه قدم المفعول ، وهذا على قول من جعل ذا مع غير الاستفهام بمعنى الذي .
والثالث : أن يكون التقدير : ذلك هو الضلال البعيد يدعو ; فذلك : مبتدأ ، وهو مبتدأ ثان ، أو بدل ، أو عماد ، والضلال خبر المبتدأ ، ويدعو : حال ; والتقدير : مدعوا . وفيه ضعف .
وعلى هذه الأوجه الكلام بعده مستأنف ، و " من " : مبتدأ ، والخبر : "
لبئس المولى " .
والطريق الثاني أن "
يدعو " متصل بما بعده ، وفيه على هذا ثلاثة أوجه ; أحدها : أن "
يدعو " يشبه أفعال القلوب ; لأن معناه : يسمي من ضره أقرب من نفعه إلها ، ولا يصدر ذلك إلا عن اعتقاد ، فكأنه قال : يظن ، والأحسن أن تقديره : يزعم ; لأن يزعم قول مع اعتقاد . والثاني : أن يكون "
يدعو " بمعنى : يقول ، و " من " مبتدأ ; و "
ضره " ; مبتدأ ثان ، و "
أقرب " خبره ; والجملة صلة " من " وخبر من محذوف تقديره : إله أو إلهي ، وموضع الجملة نصب بالقول ، و "
لبئس " مستأنف ; لأنه لا يصح دخوله في الحكاية ; لأن الكفار لا يقولون عن أصنامهم : لبئس المولى .
والوجه الثالث قول
الفراء وهو أن التقدير : يدعو من لضره ; ثم قدم اللام على موضعها ، وهذا بعيد ; لأن " ما " في صلة الذي لا يتقدم عليها .