قال تعالى : (
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ( 37 ) ) .
[ ص: 250 ] قوله تعالى : ( في بيوت ) : فيما يتعلق به أوجه :
أحدها : أنها صفة لزجاجة في قوله : (
المصباح في زجاجة ) في بيوت . والثاني : هي متعلقة بتوقد ; أي توجد في المساجد . والثالث : هي متعلقة بيسبح ، و " فيها " التي بعد " يسبح " مكرر ، مثل قوله : (
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ) [ هود : 108 ] ولا يجوز أن يتعلق بيذكر ; لأنه معطوف على " ترفع " وهو في صلة " أن " فلا يعمل فيما قبله .
و ( يسبح ) بكسر الباء ، والفاعل ( رجال ) وبالفتح على أن يكون القائم مقام الفاعل له أو فيها . ورجال مرفوع بفعل محذوف ، كأنه قيل : من يسبحه ؟ فقال رجال ; أي يسبحه رجال . وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف ; أي المسبح رجال . وقيل : التقدير : فيها رجال .
(
وإقام الصلاة ) : قد ذكر في الأنبياء ; أي : وعن إقام الصلاة .
( يخافون ) : حال من الضمير في " تلهيهم " ويجوز أن تكون صفة أخرى لرجال .
قال تعالى : (
ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ) .
قوله تعالى : ( ليجزيهم ) : يجوز أن تتعلق اللام بيسبح ، وبـ " لا تلهيهم " ، وبيخافون .
ويجوز أن تكون لام الصيرورة ، كالتي في قوله : (
ليكون لهم عدوا وحزنا ) [ القصص : 8 ] وموضعها حال ; والتقدير : يخافون ملهين ليجزيهم .
قال تعالى : (
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ( 39 ) ) .
قوله تعالى : ( بقيعة ) : في موضع جر صفة لسراب .
ويجوز أن يكون ظرفا ، والعامل فيه ما يتعلق به الكاف التي هي الخبر .
والياء في " قيعة " بدل من واو لسكونها وانكسار ما قبلها ; لأنهم قالوا في قاع : أقواع .
[ ص: 251 ] ويقرأ قيعات ، وهو جمع قيعة ؛ ويجوز أن تكون الألف زائدة كألف سعلاة ، فيكون مفردا و ( يحسبه ) : صفة لسراب أيضا . و ( شيئا ) : في موضع المصدر ؛ أي لم يجده وجدانا ، وقيل : " شيئا " هنا بمعنى ماء على ما ظن . (
ووجد الله ) : أي قدر الله ، أو إماتة الله .
قال تعالى : (
أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ( 40 ) ) .
قوله تعالى : (
أو كظلمات ) : هو معطوف على " كسراب " ، وفي التقدير : وجهان :
أحدهما : تقديره : أو كأعمال ذي ظلمات ؛ فيقدر " ذي " ليعود الضمير من قوله : " إذا أخرج يده " إليه ، وتقدر أعمال ليصح تشبيه أعمال الكفار بأعمال صاحب الظلمة ؛ إذ لا معنى لتشبيه العمل بصاحب الظلمات . والثاني : لا حذف فيه ؛ والمعنى : أنه شبه أعمال الكفار بالظلمة في حيلولتها بين القلب وبين ما يهتدي إليه . فأما الضمير في قوله : (
إذا أخرج يده ) فيعود إلى مذكور حذف اعتمادا على المعنى ؛ تقديره : إذا أخرج من فيها يده .
(
في بحر ) : صفة لظلمات .
و ( لجي ) : نسبة إلى اللج ، وهو في معنى ذي لجة . و ( يغشاه ) : صفة أخرى .
و ( من فوقه ) : صفة لموج . وموج الثاني مرفوع بالظرف لأنه قد اعتمد .
ويجوز أن يكون مبتدأ ، والظرف خبره . و (
من فوقه سحاب ) : نعت لموج الثاني . و ( ظلمات ) بالرفع : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هذه ظلمات .
ويقرأ سحاب ظلمات بالإضافة والجر ، وظلمات بالجر على أنها بدل من ظلمات الأولى .
قوله تعالى : (
لم يكد يراها ) : اختلف الناس في تأويل هذا الكلام ؛ ومنشأ الاختلاف فيه أن موضع " كاد " إذا نفيت وقوع الفعل ، وأكثر المفسرين على أن المعنى أنه لا يرى يده ؛ فعلى هذا في التقدير ثلاثة أوجه : أحدها : أن التقدير : لم يرها ولم يكد ، ذكره
[ ص: 252 ] جماعة من النحويين ؛ وهذا خطأ ؛ لأن قوله : لم يرها ، جزم بنفي الرؤية ، وقوله تعالى : " لم يكد " إذا أخرجها عن مقتضى الباب كان التقدير : ولم يكد يراها ، كما هو مصرح به في الآية ؛ فإن أراد هذا القائل : " لم يكد يراها " وأنه رآها بعد جهد ، تناقض ؛ لأنه نفى الرؤية ثم أثبتها .
وإن كان معنى : " لم يكد يراها " لم يرها ألبتة على خلاف الأكثر في هذا الباب ، فينبغي أن يحمل عليه من غير أن يقدر : لم يرها .
والوجه الثاني : أن " كاد " زائدة ، وهو بعيد .
والثالث : أن كاد أخرجت هاهنا على معنى قارب . والمعنى : لم يقارب رؤيتها ، وإذا لم يقاربها باعدها ، وعليه جاء قول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح
أي لم يقارب البراح ، ومن هاهنا حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة أنه روجع في هذا البيت فقال : لم أجد بدلا من لم يكد .
والمعنى الثاني : جهد أنه رآها بعد ؛ والتشبيه على هذا صحيح ؛ لأنه مع شدة الظلمة إذا أحد نظره إلى يده وقربها من عينه رآها .