[ ص: 414 ] سورة ق .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : (
ق والقرآن المجيد ( 1 )
بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب ( 2 )
أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ( 3 ) ) .
من قال : ( ق ) قسم ؛ جعل الواو في (
والقرآن ) عاطفة ، ومن قال غير ذلك كانت واو القسم ، وجواب القسم محذوف . قيل : هو قوله : (
قد علمنا . . . ( 4 ) ) أي لقد ، وحذفت اللام لطول الكلام .
وقيل : هو محذوف تقديره : لتبعثن ، أو لترجعن ، على ما دل عليه سياق الآيات .
و ( بل ) : للخروج من قصة إلى قصة . و ( إذا ) : منصوبة بما دل عليه الجواب ؛ أي نرجع .
قال تعالى : (
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ( 6 )
والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ( 7 )
تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ( 8 ) ) .
قوله تعالى : (
فوقهم ) : هو حال من السماء ، أو ظرف لينظروا .
و ( الأرض ) : معطوف على موضع السماء ؛ أي ويروا الأرض ؛ فـ " مددناها " على هذا حال .
ويجوز أن ينتصب على تقدير : ومددنا الأرض .
و (
تبصرة ) : مفعول له ، أو حال من المفعول ؛ أي ذات تبصير ؛ أو مصدر ؛ أي بصرناهم تبصرة . (
وذكرى ) : كذلك .
قال تعالى : (
ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ( 9 )
والنخل باسقات لها طلع نضيد ( 10 )
رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ( 11 ) ) .
قوله تعالى : (
وحب الحصيد ) : أي وحب النبت المحصود ، وحذف الموصوف . وقال
الفراء : هو في تقدير صفة الأول ؛ أي والحب الحصيد ؛ وهذا بعيد لما فيه من إضافة الشيء إلى نفسه ، ومثله : ( حبل الوريد ) [ ق : 16 ] أي حبل العرق الوريد ؛ وهو فعيل بمعنى فاعل ؛ أي وارد ، أو بمعنى مورود فيه .
( والنخل ) معطوف على الحب . و ( باسقات ) : حال . و ( لها طلع ) : حال أيضا . ونضيد بمعنى منضود و ( رزقا ) : مفعول له ، أو واقع موقع المصدر . و ( به ) أي بالماء .
[ ص: 415 ] قال تعالى : (
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( 16 ) ) .
قوله تعالى : (
ونعلم ) : أي ونحن نعلم ، فالجملة حال مقدرة . ويجوز أن يكون مستأنفا .
قال تعالى : (
إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ( 17 )
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( 18 ) ) .
قوله تعالى ( إذ يتلقى ) : يجوز أن يكون ظرفا لأقرب ، وأن يكون التقدير : اذكر .
و ( قعيد ) : مبتدأ ، و " عن الشمال " خبره ، ودل " قعيد " هذا على " قعيد " الأول ؛ أي عن اليمين قعيد .
وقيل : " قعيد " المذكور الأول ، والثاني : محذوف .
وقيل : لا حذف ، وقعيد بمعنى قعيدان ، وأغنى الواحد عن الاثنين ، وقد سبقت له نظائر . و ( رقيب عتيد ) : واحد في اللفظ ، والمعنى : رقيبان عتيدان .
قال تعالى : (
وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ( 19 ) ) .
قوله تعالى : (
بالحق ) : هو حال ، أو مفعول به .
قال تعالى : (
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( 21 )
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ( 22 ) ) .
قوله تعالى : (
معها سائق ) : الجملة صفة لنفس ، أو كل ، أو حال من كل ؛ وجاز لما فيه من العموم ، والتقدير : يقال له : لقد كنت ، وذكر على المعنى .
قال تعالى : (
وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ( 23 ) ) .
قوله تعالى : ( هذا ) : مبتدأ ، وفي " ما " وجهان : أحدهما : هي نكرة ، و " عتيد " صفتها . و " لدي " معمول عتيد .
ويجوز أن يكون " لدي " صفة أيضا ، فيتعلق بمحذوف ، و " ما " وصفتها خبر هذا .
والوجه الثاني : أن تكون " ما " بمعنى الذي ، فعلى هذا تكون " ما " مبتدأ ، و " لدي " صلة ، و " عتيد " خبر " ما " والجملة خبر " هذا " . ويجوز أن تكون " ما " بدلا من هذا .
ويجوز أن يكون " عتيد " خبر مبتدأ محذوف ، ويكون " ما لدي " خبرا عن " هذا " أي هو عتيد ، ولو جاء ذلك في غير القرآن لجاز نصبه على الحال .
قال تعالى : (
ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ( 24 ) ) .
[ ص: 416 ] قوله تعالى : (
ألقيا ) أي يقال ذلك ، وفي لفظ التثنية هنا أوجه ؛ أحدها : أنه خطاب الملكين . والثاني : هو لواحد ، والألف عوض من تكرير الفعل ؛ أي ألق ألق .
والثالث : هو لواحد ؛ ولكن خرج على لفظ التثنية على عادتهم ، كقولهم خليلي عوجا ، وخليلي مرا بي ؛ وذلك أن الغالب من حال الواحد منهم أن يصحبه في السفر اثنان . والرابع : أن من العرب من يخاطب الواحد بخطاب الاثنين ، كقول الشاعر :
فإن تزجراني يا بن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
والخامس : أن الألف بدل من النون الخفيفة ، وأجري الوصل مجرى الوقف .
قال تعالى : (
مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ( 26 ) ) .
قوله تعالى : (
مريب الذي ) : الجمهور على كسر التنوين . وقرئ بفتحها فرارا من الكسرات والياء .
قال تعالى : (
وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ( 31 )
هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ( 32 ) ) .
(
غير بعيد ) : أي مكانا غير بعيد .
ويجوز أن يكون حالا من الجنة ، ولم يؤنث ؛ لأن الجنة والبستان والمنزل متقاربات .
و (
هذا ما توعدون ) : التقدير : يقال لهم : " هذا . . . " والياء في " توعدون " على الغيبة ؛ والتاء على الرجوع إلى الخطاب .
قال تعالى : (
من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ( 33 )
ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ( 34 ) ) .
قوله تعالى : (
من خشي ) : في موضع رفع ؛ أي هم من خشي ، أو في موضع جر بدلا من " المتقين " أو من " كل أواب " أو في موضع نصب ؛ أي أعني من خشي .
وقيل : " من " : مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : يقال لهم ادخلوها .
و ( بسلام ) : حال . قوله تعالى : ( ذلك ) أي زمن ذلك " يوم الخلود " .
قال تعالى : (
لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ( 35 )
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص ( 36 ) ) .
[ ص: 417 ] قوله تعالى : ( فيها ) : يجوز أن يتعلق بيشاءون ؛ وأن يكون حالا من " ما " أو من العائد المحذوف . و ( كم ) : نصب بـ " أهلكنا " . و ( هم أشد ) : يجوز أن يكون جرا صفة لقرن ، ونصبا صفة لكم .
ودخلت الفاء في " فنقبوا " عطفا على المعنى ؛ أي بطشوا فنقبوا ، وفيها قراءات ظاهرة المعنى ، والمعنى : هل لهم ، أو هل لمن سلك طريقهم .
( من محيص ) : أي مهرب ، فحذف الخبر .
قال تعالى : (
ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ( 40 )
واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ( 41 )
يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ( 42 )
إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير ( 43 )
يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير ( 44 ) ) .
قوله تعالى : (
وأدبار السجود ) بفتح الهمزة ، جمع دبر ، وبكسرها مصدر أدبر ؛ والتقدير : وقت إدبار السجود . و (
يوم يسمعون ) : بدل من " يوم ينادي " . و (
يوم تشقق ) ظرف للمصير ، أو بدل من يوم الأول . و (
سراعا ) : حال ؛ أي يخرجون سراعا .
ويجوز أن يكون " يوم تشقق " ظرفا لهذا المقدر . والله أعلم .