سورة الواقعة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : (
إذا وقعت الواقعة ( 1 )
ليس لوقعتها كاذبة ( 2 ) ) .
العامل في " إذا " على أوجه ؛ أحدها : هو مفعول اذكر .
والثاني : هو ظرف لما دل عليه : "
ليس لوقعتها كاذبة " أي إذا وقعت لم تكذب .
والثالث : هو ظرف لخافضة أو رافعة ؛ أي إذا وقعت خفضت ورفعت .
والرابع : هو ظرف لرجت ؛ وإذا الثانية على هذا تكرير للأولى ، أو بدل منها .
والخامس : هو ظرف لما دل عليه : فأصحاب الميمنة ؛ أي إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها . وكاذبة [ بمعنى الكذب ، كالعاقبة والعافية . وقيل : التقدير : ليس لها حالة كاذبة ] أي مكذوب فيها . و (
خافضة رافعة ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هي خافضة قوما ، ورافعة آخرين . وقرئ بالنصب على الحال من الضمير في " كاذبة " أو في " وقعت " .
[ ص: 437 ] قال تعالى : (
إذا رجت الأرض رجا ( 4 ) ) .
قوله تعالى : (
إذا رجت ) : " إذا " بدل من إذا الأولى .
وقيل : هو ظرف لرافعة . وقيل : لما دل عليه "
فأصحاب الميمنة " . وقيل : هو مفعول اذكر .
قال تعالى : (
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ( 8 ) ) .
قوله تعالى : (
فأصحاب الميمنة ) : هو مبتدأ . و (
ما أصحاب ) : مبتدأ وخبر ، خبر الأول .
فإن قيل : أين العائد من الجملة إلى المبتدأ ؟ .
قيل : لما كان " أصحاب " الثاني هو الأول لم يحتج إلى ضمير .
وقيل : "
ما أصحاب الميمنة " لا موضع له ، وكذلك ما أصحاب المشأمة . والسابقون السابقون ؛ وخبر الأول أولئك المقربون ، وهذا بعيد ؛ لأن أصحاب المشأمة ليسوا من المقربين .
قال تعالى : (
والسابقون السابقون ( 10 )
أولئك المقربون ( 11 )
في جنات النعيم ( 12 )
ثلة من الأولين ( 13 )
وقليل من الآخرين ( 14 )
على سرر موضونة ( 15 )
متكئين عليها متقابلين ( 16 ) ) .
قوله تعالى : (
والسابقون ) : الأول مبتدأ والثاني خبره ؛ أي السابقون بالخير السابقون إلى الجنة .
وقيل : الثاني نعت للأول ، أو تكرير توكيدا ، والخبر " أولئك " .
قوله تعالى : (
في جنات ) : أي هم في جنات ، أو يكون حالا من الضمير في " المقربون " . أو ظرفا .
وقيل : هو خبر " ثلة " وعلى الأقوال الأول يكون الكلام تاما عند قوله تعالى : " النعيم " ويكون في " ثلة " وجهان ؛ أحدهما : هو مبتدأ ، والخبر "
على سرر " . والثاني : هو خبر ؛ أي هم ثلة .
و ( متكئين ) : حال من الضمير في " على " و " متقابلين " : حال من الضمير في " متكئين " .
قال تعالى : (
يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين ( 18 ) ) .
(
يطوف عليهم ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا . و (
بأكواب ) : يتعلق بيطوف .
[ ص: 438 ] قال تعالى : (
وحور عين ) ( 22 ) .
قوله تعالى : (
وحور عين ) : يقرأ بالرفع ، وفيه أوجه :
أحدها : هو معطوف على " ولدان " أي يطفن عليهم للتنعم ، لا للخدمة .
والثاني : تقديره : لهم حور ، أو عندهم ، أو وثم . والثالث : تقديره : ونساؤهم حور .
ويقرأ بالنصب على تقدير : يعطون ، أو يجازون .
وبالجر عطفا على أكواب في اللفظ دون المعنى ؛ لأن الحور لا يطاف بهن .
وقيل : هو معطوف على " جنات " أي : في جنات ، وفي حور .
والحور : جمع حوراء ؛ والعين جمع عيناء ، ولم يضم أوله لئلا تنقلب الياء واوا .
قال تعالى : (
جزاء بما كانوا يعملون ( 24 ) ) .
و ( جزاء ) مفعول له ، أو على تقدير : يجزون جزاء .
قال تعالى : (
لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ( 25 )
إلا قيلا سلاما سلاما ( 26 ) ) .
قوله تعالى : (
إلا قيلا ) : هو استثناء منقطع .
و ( سلاما ) : بدل ، أو صفة . وقيل : هو مفعول " قيلا " . وقيل : هو مصدر .
قال تعالى : (
وفاكهة كثيرة ( 32 )
لا مقطوعة ولا ممنوعة ( 33 ) ) .
قوله تعالى : (
لا مقطوعة ) : قيل : هو نعت لفاكهة . وقيل : هو معطوف عليها .
قال تعالى : (
إنا أنشأناهن إنشاء ( 35 )
فجعلناهن أبكارا ( 36 )
عربا أترابا ( 37 ) ) .
قوله تعالى : (
أنشأناهن ) : الضمير للفرش ؛ لأن المراد بها النساء . والعرب : جمع عروب ، والأتراب : جمع ترب .
قال تعالى : (
لأصحاب اليمين ( 38 )
ثلة من الأولين ( 39 )
وثلة من الآخرين ( 40 )
وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ( 41 )
في سموم وحميم ( 42 )
وظل من يحموم ( 43 ) ) .
قوله تعالى : (
لأصحاب اليمين ) : اللام متعلقة بأنشأناهن أو بجعلناهن ؛ إذ هو نعت لأتراب . و ( ثلة ) أي وهم ثلة . وكذلك "
في سموم " أي هم في سموم .
[ ص: 439 ] والياء في "
يحموم " زائدة ، ووزنه يفعول ، من الحمم ، أو الحميم .
قال تعالى : (
لآكلون من شجر من زقوم ( 52 )
فمالئون منها البطون ( 53 )
فشاربون عليه من الحميم ( 54 )
فشاربون شرب الهيم ( 55 ) ) .
قوله تعالى : (
من شجر ) : أي لآكلون شيئا من شجر . وقيل : " من " زائدة . و (
من زقوم ) : نعت لشجر ، أو لشيء المحذوف .
وقيل : " من " الثانية زائدة ؛ أي لآكلون زقوما من شجر . والهاء في " منها " للشجر . والهاء في " عليه " للمأكول .
و (
شرب الهيم ) : بالضم والفتح والكسر ؛ فالفتح مصدر ، والآخران اسم له . وقيل : هي لغات في المصدر ، والتقدير : شربا مثل شرب الهيم . و (
الهيم ) : جمع أهيم ، وهيماء .
قال تعالى : (
وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( 76 )
إنه لقرآن كريم ( 77 )
في كتاب مكنون ( 78 ) ) .
قوله تعالى : (
لو تعلمون ) : هو معترض بين الموصوف والصفة . و (
في كتاب ) : صفة أخرى لقرآن ، أو حال من الضمير في كريم ، أو خبر مبتدأ محذوف .
قال تعالى : (
لا يمسه إلا المطهرون ( 79 )
تنزيل من رب العالمين ( 80 ) ) .
قوله تعالى : (
لا يمسه ) : هو نفي . وقيل : هو نهي حرك بالضم .
و ( تنزيل ) أي هو تنزيل ؛ ويجوز أن يكون نعتا لقرآن .
قال تعالى : (
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( 82 ) ) .
(
وتجعلون رزقكم ) أي شكر رزقكم .
قال تعالى : (
ترجعونها إن كنتم صادقين ( 87 ) ) .
و (
ترجعونها ) : جواب " لولا " وأغنى ذلك عن جواب الثانية . وقيل عكس ذلك . وقيل : لولا الثانية تكرير .
قال تعالى : (
فأما إن كان من المقربين ( 88 )
فروح وريحان وجنة نعيم ( 89 ) ) .
قوله تعالى : (
فأما إن كان ) : جواب أما : "
فروح " . وأما " إن " فاستغني بجواب " أما " عن جوابها لأن " إن " قد حذف جوابها في مواضع ، والتقدير : فله روح .
[ ص: 440 ] ويقرأ بفتح الراء وضمها ؛ فالفتح مصدر ، والضم اسم له . وقيل : هو المتروح به .
والأصل في " ريحان " : ريوحان على فيعلان ؛ قلبت الواو ياء ، وأدغم ، ثم خفف ، مثل : سيد وسيد . وقيل : هو فعلان قلبت الواو ياء وإن سكنت وانفتح ما قبلها .
قال تعالى : (
فنزل من حميم ( 93 )
وتصلية جحيم ( 94 )
إن هذا لهو حق اليقين ( 95 )
فسبح باسم ربك العظيم ( 96 ) ) .
قوله تعالى : (
فنزل ) : أي فله نزل . (
وتصلية ) بالرفع : عطفا على نزل ، وبالجر عطفا على حميم .
و (
حق اليقين ) : أي حق الخبر اليقين . وقيل : المعنى : حقيقة اليقين .
و ( العظيم ) : صفة لربك ، وقيل : للاسم . والله أعلم .