قال تعالى : (
كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 316 ) ) .
قوله تعالى : (
وهو كره لكم ) : الجملة في موضع الحال وقيل : في موضع الصفة ويقرأ بضم الكاف وفتحها وهما لغتان بمعنى .
وقيل : الفتح بمعنى الكراهية ، فهو مصدر ، والضم اسم المصدر .
وقيل : الضم بمعنى المشقة ، أو إذا كان مصدرا احتمل أن يكون المعنى فرض القتال ، إكراه لكم فيكون هو كناية عن الفرض ، والكتب ، ويجوز أن يكون كناية عن القتال فيكون الكره بمعنى المكروه .
(
وعسى أن تكرهوا ) : أن والفعل في موضع رفع فاعل ( عسى ) ، وليس في عسى ضمير . (
وهو خير لكم ) : جملة في موضع نصب فيجوز أن يكون صفة لشيء ; وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالا ويجوز أن تكون حالا من النكرة لأن المعنى يقتضيه .
قال تعالى : (
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 217 ) ) .
قوله تعالى : قتال فيه هو بدل من الشهر بدل الاشتمال ; لأن القتال يقع في الشهر وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي هو مخفوض على التكرير يريد أن التقدير : عن قتال فيه ; وهو معنى قول
الفراء ; لأنه قال هو مخفوض بعن مضمرة وهذا ضعيف جدا ; لأن حرف الجر لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار .
[ ص: 142 ] وقال
أبو عبيدة : هو مجرور على الجوار ، وهو أبعد من قولهما ; لأن الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ ولا يحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة .
وفيه يجوز أن يكون نعتا لقتال ، ويجوز أن يكون متعلقا به كما يتعلق بقاتل .
وقد قرئ بالرفع في الشاذ ووجهه على أن يكون خبر مبتدأ محذوف معه همزة الاستفهام تقديره : أجائز قتال فيه .
(
قل قتال فيه كبير ) : مبتدأ وخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة ; لأنها قد وصفت بقوله : فيه .
فإن قيل : النكرة إذا أعيدت أعيدت بالألف واللام ، كقوله :
فعصى فرعون الرسول ، قيل : ليس المراد تعظيم القتال المذكور المسئول عنه حتى يعاد بالألف واللام بل المراد تعظيم أي قتال كان في الشهر الحرام ، فعلى هذا القتال الثاني غير القتال الأول .
(
وصد ) : مبتدأ . و (
عن سبيل الله ) : صفة له ، أو متعلق به (
وكفر ) : معطوف على صد . (
وإخراج أهله ) : معطوف أيضا ، وخبر الأسماء الثلاثة ( أكبر ) .
وقيل : خبر صد وكفر محذوف أيضا أغنى عنه خبر إخراج أهله ويجب أن يكون المحذوف على هذا أكبر لا كبير كما قدره بعضهم لأن ذلك يوجب أن يكون إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر ، وليس كذلك .
وأما جر المسجد الحرام فقيل : هو معطوف على الشهر الحرام وقد ضعف ذلك بأن القوم لم يسألوا عن المسجد الحرام ، إذ لم يشكوا في تعظيمه ، وإنما سألوا عن القتال في الشهر الحرام ; لأنه وقع منهم ، ولم يشعروا بدخوله ، فخافوا من الإثم . وكان المشركون عيروهم بذلك . وقيل : هو معطوف على الهاء في به ، وهذا لا يجوز عند البصريين ، إلا أن يعاد الجار .
وقيل : هو معطوف على السبيل ; وهذا لا يجوز ; لأنه معمول المصدر والعطف بقوله "
وكفر به " يفرق بين الصلة والموصول والجيد أن يكون متعلقا بفعل محذوف دل عليه الصد تقديره : ويصدون عن المسجد كما قال تعالى : (
هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام ) [ الفتح : 25 ] .
(
حتى يردوكم ) : يجوز أن تكون حتى بمعنى كي ، وأن تكون بمعنى إلى ، وهي في الوجهين متعلقة بيقاتلونكم ، وجواب (
إن استطاعوا ) : محذوف قام مقامه "
ولا يزالون " .
(
فيمت ) : معطوف على يرتدد ، ويرتدد مظهر لما سكنت الدال الثانية لم يمكن تسكين الأولى لئلا يجتمع ساكنان . ويجوز أن يكون في العربية يرتد ، وقد قرئ في المائدة بالوجهين ، وهنالك تعلل القراءتان إن شاء الله .
[ ص: 143 ] ومنكم في موضع الحال من الفاعل المضمر .
" ومن " في موضع مبتدأ ، والخبر هو الجملة التي هي قوله : (
فأولئك حبطت ) .