قال تعالى : (
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ( 38 ) ) .
قوله تعالى : (
هنالك ) : أكثر ما يقع هنا ظرف مكان ، وهو أصلها ، وقد وقعت هنا زمانا ، فهي في ذلك كعند فإنك تجعلها زمانا ، وأصلها المكان ، كقولك أتيتك عند طلوع الشمس .
وقيل : هنا مكان ; أي في ذلك المكان دعا زكريا ، والكاف حرف للخطاب ، وبها تصير هنا للمكان البعيد عنك ، ودخلت اللام لزيادة البعد ، وكسرت على أصل التقاء الساكنين هي والألف قبلها .
وقيل : كسرت لئلا تلتبس بلام الملك ، وإذا حذفت الكاف فقلت " هنا " للمكان الحاضر ، والعامل في هنا " دعا " .
( قال ) : مثل (
قال يامريم أنى لك ) .
(
من لدنك ) : يجوز أن يتعلق بهب لي ; فيكون " من " لابتداء غاية الهبة .
ويجوز أن يكون في الأصل صفة لـ (
ذرية ) : قدمت فانتصبت على الحال .
و (
سميع ) : بمعنى سامع .
قال تعالى : (
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ( 39 ) ) .
قوله تعالى : (
فنادته ) : الجمهور على إثبات تاء التأنيث ; لأن الملائكة جماعة .
وكره قوم التاء ; لأنها للتأنيث ، وقد زعمت الجاهلية أن الملائكة إناث ، فلذلك قرأ من قرأ : ( فناداه ) بغير تاء والقراءة به جيدة ; لأن الملائكة جمع ، وما اعتلوا به ليس بشيء ; لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله : (
وإذ قالت الملائكة يامريم ) [ آل عمران : 42 ] وهو قائم حال من الهاء في نادته (
يصلي ) : حال من الضمير في قائم .
ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لقائم .
(
أن الله ) : يقرأ بفتح الهمزة ; أي بأن الله وبكسرها ; أي قالت : إن الله ; لأن النداء قول . (
يبشرك ) : الجمهور على التشديد .
ويقرأ بفتح الياء وضم الشين مخففا ، وبضم الياء وكسر الشين مخففا أيضا ، يقال بشرته وبشرته وأبشرته ; ومنه قوله : (
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) [ فصلت : 30 ] .
( يحيى ) : اسم أعجمي ; وقيل : سمي بالفعل الذي ماضيه حي .
(
مصدقا ) : حال منه . (
وسيدا وحصورا ونبيا ) : كذلك .
قال تعالى : (
قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء ( 40 ) ) .
قوله تعالى : (
غلام ) : اسم يكون ، ولي خبره .
ويجوز أن يكون فاعل يكون على أنها تامة فيكون لي متعلقا بها أو حالا من " غلام " ; أي " أنى " يحدث غلام لي ؟ وأنى بمعنى كيف ، أو من أين ؟ .
(
بلغني الكبر ) : وفي موضع آخر (
بلغت من الكبر ) : والمعنى واحد ; لأن ما
[ ص: 210 ] بلغك فقد بلغته (
عاقر ) : أي ذات عقر فهو على النسب ; وهو في المعنى مفعول ; أي معقورة ; ولذلك لم تلحق تاء التأنيث . (
كذلك ) : في موضع نصب ; أي يفعل ما يشاء فعلا كذلك .
قال تعالى : (
قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ( 41 ) ) .
قوله تعالى : (
اجعل لي آية ) : أي صير لي ; فآية مفعول أول ولي مفعول ثان .
(
آيتك ) : مبتدأ ، و (
ألا تكلم ) : خبره ; وإن كان قد قرئ تكلم بالرفع فهو جائز على تقدير : إنك لا تكلم ; كقوله : (
ألا يرجع إليهم قولا ) [ طه : 89 ] .
(
إلا رمزا ) : استثناء من غير الجنس ; لأن الإشارة ليست كلاما .
والجمهور على فتح الراء وإسكان الميم ، وهو مصدر رمز ، ويقرأ بضمها ، وهو جمع رمزة بضمتين ، وأقر ذلك في الجمع .
ويجوز أن يكون مسكن الميم في الأصل ، وإنما أتبع الضم الضم .
ويجوز أن يكون مصدرا غير جمع وضم إتباعا كاليسر واليسر .
(
كثيرا ) : أي ذكرا كثيرا . و ( العشي ) : مفرد . وقيل : جمع عشية .
(
والإبكار ) : مصدر ، والتقدير : ووقت الإبكار ، يقال أبكر إذا دخل في البكرة .