فصل
وأما
السبب المعنوي فهو قصد المبالغة في النفي ، وهو سبب قوي مقصور عند العرب ، وإن كان أضعف من السبب اللفظي عند القراء ، ومنه مد التعظيم في نحو (
لا إله إلا الله ) ، (
لا إله إلا هو ) ، (
لا إله إلا أنت ) ، وهو قد ورد عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى ، ونص على ذلك
أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهذلي ،
وابن مهران ،
والجاجاني ، وغيرهم ، وقرأت به من طريقهم ، وأختاره ، ويقال له أيضا : مد المبالغة . قال
ابن مهران في " كتاب المدات " له : إنما سمي مد المبالغة ; لأنه طلب للمبالغة في نفي
[ ص: 345 ] إلهية سوى الله سبحانه ، قال : وهذا معروف عند العرب ؛ لأنها تمد عند الدعاء عند الاستغاثة ، وعند المبالغة في نفي شيء ، ويمدون ما لا أصل له بهذه العلة . قال : والذي له أصل أولى وأحرى .
( قلت ) : يشير إلى كونه اجتمع سببان ، وهما المبالغة ووجود الهمزة كما سيأتي ، والذي قاله في ذلك جيد ظاهر . وقد استحب العلماء المحققون مد الصوت بلا إله إلا الله إشعارا بما ذكرناه وبغيره . قال الشيخ
محيي الدين النووي - رحمه الله - في " الأذكار " : ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مد الذاكر قوله : (
لا إله إلا الله ) لما ورد من التدبر . قال : وأقوال السلف وأئمة الخلف في مد هذا مشهورة ، والله أعلم . انتهى .
( قلت ) : روينا في ذلك حديثين مرفوعين أحدهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
من قال : ( لا إله إلا الله ) ومد بها صوته أسكنه الله دار الجلال - دارا سمى بها نفسه فقال : ذو الجلال والإكرام - ورزقه النظر إلى وجهه . والآخر عن
أنس :
من قال : ( لا إله إلا الله ) ومدها هدمت له أربعة آلاف ذنب ، وكلاهما ضعيفان ، ولكنهما في فضائل الأعمال . وقد ورد مد المبالغة للنفي في ( لا ) التي للتبرئة في نحو (
لا ريب فيه ) ، (
لا شية فيها ) ، (
لا مرد له ) ، (
لا جرم ) ، عن
حمزة ، نص على ذلك له
nindex.php?page=showalam&ids=13244أبو طاهر بن سوار في " المستنير " ونص عليه
أبو محمد سبط الخياط في " المبهج " من رواية
خلف ، عن
سليم ، عنه ، ونص عليه
أبو الحسن بن فارس في كتابه الجامع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13220محمد بن سعدان ، عن
سليم ، وقال
أبو الفضل الخزاعي : قرأت به أداء من طريق
خلف ،
nindex.php?page=showalam&ids=13220وابن سعدان ،
وخلاد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=15905ورويم بن يزيد ، كلهم عن
حمزة .
( قلت ) وقدر المد في ذلك فيما قرأنا به وسط لا يبلغ الإشباع ، وكذا نص عليه الأستاذ
أبو عبد الله بن القصاع ، وذلك لضعف سببه عن سبب الهمز ، وقرأت بالمد أيضا في (
لا ريب ) فقط من كتاب " الكفاية في القراءات الست "
لحفص من طريق
هبيرة عنه .
( هذا ) ما يتعلق بالمد في حروف المد مستوفى ، إذ لا يجوز زيادة في حرف من حروف المد بغير سبب من الأسباب المذكورة . وقد انفرد
أبو عبد الله بن شريح في " الكافي " بمد ما كان على حرفين في فواتح السور . فحكى عن رواية
[ ص: 346 ] أهل المغرب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش أنه كان يمد ذلك كله ، واستثنى الراء من (
الر ، و
المر ) والطاء والهاء من : (
طه ) .
( قلت ) : وكأنهم نظروا إلى وجود الهمز مقدرا بحسب الأصل ، وذلك شاذ لا نأخذ به ، والله أعلم .
وقد اختلف في إلحاق حرفي اللين بهما وهما الياء والواو المفتوح ما قبلهما ، فوردت زيادة المد فيهما بسببي الهمز والسكون إذا كانا قويين . وإنما اعتبر شرط المد فيهما مع ضعفه بتغيير حركة ما قبله ; لأن فيهما شيئا من الخفاء وشيئا من المد ، وإن كانا أنقص في الرتبة مما في حروف المد ; ولذلك جاز الإدغام في نحو (
كيف فعل ) بلا عسر ، ولم ينقل الحركة إليهما في الوقف في نحو
زيد وعوف من نقل في نحو
بكر وعمرو ، وتعاقبا مع حروف المد في الشعر قبل حرف الروي في نحو قول الشاعر :
تصفقها الرياح إذا جرينا
مع قوله :
مخاريق بأيدي اللاعبينا
وقالوا في تصغير مدق وأصم : مديق وأصيم ، فجمعوا بين الساكنين ، وأجروهما مجرى حروف المد ; فلذلك حملا عليها وإن كانا دونها في الرتبة لقربهما منها ، وسوغ زيادة المد فيهما سببية الهمز ، وقوة اتصاله بهما في كلمة ، وقوة سببية السكون ، أما الهمز فإنه إذا وقع بعد حرفي اللين متصلا من كلمة واحدة نحو ( شيء ) كيف وقع