تنبيهات
( الأول ) : أن
مخرج النون والتنوين مع حروف الإخفاء الخمسة عشر من الخيشوم فقط ولا حظ لهما معهن في الفم لأنه لا عمل للسان فيهما كعمله فيهما مع ما يظهران عنده ، أو ما يدغمان فيه بغنة وحكمهما مع الغين والخاء عند
أبي جعفر كذلك ، وذلك من حيث أجرى الغين والخاء مجرى حروف الفم للتقارب الذي بينهما و بينهن ، فصار مخرج النون والتنوين معهما كمخرجهما معهن ، ومخرجهما على مذهب الباقين المظهرين من أصل مخرجهما ، وذلك من حيث أجروا العين والخاء مجرى باقي حروف الحلق لكونهما من جملتهن دون حروف الفم .
( الثاني ) :
الإدغام بالغنة في الواو والياء ، وكذلك في اللام والراء عند من روى ذلك هو إدغام غير كامل من أجل الغنة الباقية معه . وهو عند من أذهب الغنة إدغام كامل . وقال بعض أئمتنا إنما هو إخفاء ، وإطلاق الإدغام
[ ص: 28 ] عليه مجاز ، وممن ذهب إلى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14467أبو الحسن السخاوي فقال : واعلم أن حقيقة ذلك إخفاء لا إدغام ، وإنما يقولون له إدغام مجازا . قال : وهو في الحقيقة إخفاء على مذهب من يبقي الغنة ويمنع تمحيض الإدغام إلا أنه لا بد من تشديد يسير فيهما . قال : وهو قول الأكابر قالوا : الإخفاء ما بقيت معه الغنة ( قلت ) : والصحيح من أقوال الأئمة أنه إدغام ناقص من أجل صوت الغنة الموجودة معه فهو بمنزلة صوت الإطباق الموجود مع الإدغام في
أحطت ; و
بسطت والدليل على أن ذلك إدغام وجود التشديد فيه إذ التشديد ممتنع مع الإخفاء . قال الحافظ
أبو عمرو : فمن أبقى غنة النون والتنوين مع الإدغام لم يكن ذلك إدغاما صحيحا في مذهبه لأن حقيقة باب الإدغام الصحيح أن لا يبقى فيه من الحرف المدغم أثر إذ كان لفظه ينقلب إلى لفظ المدغم فيه فيصير مخرجه من مخرجه بل هو في الحقيقة كالإخفاء الذي يمتنع فيه الحرف من القلب لظهور صوت المدغم وهو الغنة . ألا ترى أن من أدغم النون والتنوين ولم يبق غنتهما قلبهما حرفا خالصا من جنس ما يدغمان فيه ؟ فعدمت الغنة بذلك رأسا في مذهبه ; إذ غير ممكن أن تكون منفردة في غير حرف ، أو مخالطة لحرف لا غنة فيه لأنها مما تختص به النون والميم لا غير .
( الثالث ) :
أطلق من ذهب إلى الغنة في اللام وعمم كل موضع وينبغي تقييده بما إذا كان منفصلا رسما نحو
فإن لم تفعلوا ،
أن لا يقولوا وما كان مثله مما ثبتت النون فيه ، أما إذا كان منفصلا رسما نحو
فإن لم يستجيبوا لكم . في هود
ألن نجعل لكم في الكهف . ونحوه مما حذفت منه النون فإنه لا غنة فيه لمخالفة الرسم في ذلك وهذا اختيار الحافظ أبي عمرو الداني ، وغيره من المحققين ، قال في جامع البيان : واختار في مذهب من يبقي الغنة مع الإدغام عند اللام ألا يبقيها إذا عدم رسم النون في الخط لأن ذلك يؤدي إلى مخالفته للفظه بنون ليست في الكتاب . قال : وذلك في قوله
فإن لم يستجيبوا لكم في هود ، وفي قوله
ألن نجعل لكم موعدا [ ص: 29 ] في الكهف و
ألن نجمع عظامه في القيامة قال : وكذلك
ألا تعولوا ;
ألا يسجدوا لله ،
ألا تطغوا وما أشبهه مما لم ترسم فيه النون ، وذلك على لغة من ترك الغنة ولم يبق للنون أثرا قال : وجملة المرسوم ذلك بالنون فيما حدثنا به محمد بن علي الكاتب عن أبي بكر بن الأنباري عن أئمته عشرة مواضع : أولها في الأعراف
أن لا أقول على الله إلا الحق ، وأن لا تقولوا على الله إلا الحق ، وفي التوبة
أن لا ملجأ من الله ، وفي هود
وأن لا إله إلا هو ، و
أن لا تعبدوا إلا الله في قصة
نوح عليه السلام . وفي الحج
أن لا تشرك بي شيئا ، وفي يس
أن لا تعبدوا الشيطان ، وفي الدخان
وأن لا تعلوا على الله ، وفي الممتحنة
على أن لا يشركن بالله شيئا ، وفي ن والقلم على
أن لا يدخلنها اليوم قال : واختلفت المصاحف في قوله في الأنبياء
أن لا إله إلا أنت قال : وقرأت الباب كله المرسوم منه بالنون والمرسوم بغير نون ببيان الغنة ، وإلى الأول أذهب ( قلت ) : وكذا قرأت أنا على بعض شيوخي بالغنة ولا آخذ به غالبا ويمكن أن يجاب عن إطلاقهم بأنهم إنما أطلقوا إدغام النون بغنة . ولا نون في المتصل منه - والله أعلم - .
( الرابع )
إذا قرئ بإظهار الغنة من النون الساكنة والتنوين في اللام والراء للسوسي ، وغيره عن
أبي عمرو فينبغي قياسا إظهارها من النون المتحركة فيهما نحو
نؤمن لك ،
زين للذين ،
تبين له ونحو
تأذن ربك ،
خزائن رحمة ربي إذ النون من ذلك تسكن أيضا للإدغام ، وبعدم الغنة قرأت عن
أبي عمرو ، وفي الساكن والمتحرك وبه آخذ . ويحتمل أن القارئ بإظهار الغنة إنما يقرأ بذلك في وجه الإظهار أي حيث لم يدغم الإدغام الكبير - والله أعلم - .