( فاعلم ) أن
الراء لا تخلو من أن تكون [ ص: 92 ] متحركة أو ساكنة ( فالمتحركة ) لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة ، فالمفتوحة تكون أول الكلمة ووسطها وآخرها ، وهي في الأحوال الثلاثة تأتي بعد متحرك وساكن ، والساكن يكون ياء وغير ياء ( فمثالها ) أول الكلمة بعد الفتح (
ورزقكم ،
وراعنا ،
وقال ربكم ) ، وبعد الكسر (
برسولهم ،
لحكم ربك ) ، وبعد الضم (
رسل ربنا ) ، وبعد الساكن الياء (
في ريب ) ، وغير الياء (
بل ران ،
ولا رطب ، و
على رجعه ، و
الراجفة ) ، ومثالها وسط الكلمة بعد الفتح (
فرقنا ، و
عرفوا ، و
تراض ) ، وبعد الضم (
غرابا ، و
فراتا ، و
كبرت ،
وفرادى ) ، وبعد الكسر (
فراشا ،
وسراجا ، و
كراما ، و
دراستهم ،
قردة ،
الآخرة ،
وازرة ،
صابرة ،
مسفرة ،
والذاكرات ، و
لأستغفرن ،
ولا يشعرن ، و
بطرت ،
وأحضرت ) ، وبعد الساكن الياء (
حيران ، و
الخيرات ، و
خيرا ) ، وغيره ونحو (
صغيرة ، و
كبيرة ، و
مصيركم ) ، وغير الياء عن ضم (
والعمرة ، و
غفرانك ، و
سورة ، و
يورث ) ، وعن فتح (
فأغرينا ، و
أجرموا ، و
زهرة ،
والحجارة ، و
مباركة ) ، وعن كسر (
إكراه ،
والإكرام ، و
إجرامي ، و
إصرهم ، و
إخراجا ، و
مدرارا ) .
ومثلها آخر الكلمة بعد الفتح منونة (
وسفرا ، و
بشرا ، و
نفرا ، و
محضرا ) ، وغير منونة (
البقر ، و
الحجر ،
والقمر ، و
لا وزر ) ، وبعد الضم منونة (
نشورا ،
وسرورا ، و
نذرا ) وغير منونة (
كبر ، و
ليفجر ) ، وبعد الكسر منونة (
شاكرا ، و
حاضرا ، و
ظاهرا ، و
مبصرا ، و
منتصرا ، و
مستقرا ) ، وغير منونة (
كبائر ، و
بصائر ، و
أكابر ، و
الحناجر ،
فلا ناصر ، و
ليغفر ،
وخسر ) ، وبعد الساكن الياء منونة (
خيرا ، و
طيرا ، و
سيرا ) ونحو (
قديرا ، و
خبيرا ، و
كبيرا ، و
كثيرا ، و
تقديرا ، و
تطهيرا ، و
منيرا ، و
مستطيرا ) ، وغير منونة (
الخير ،
والطير ،
وغير ، و
لا ضير ) ، ونحو (
الفقير ،
والحمير ،
والخنازير ) ، وبعد الساكن غير الياء عن فتح منونة (
أجرا ،
وبدارا ) ، وغير منونة (
وفار ،
واختار ،
وخر ) ، وعن ضم (
عذرا ، و
غفورا ، و
قصورا ) ، وغير منونة (
فمن اضطر ) ، وعن كسر منونة (
ذكرا ، و
سترا ، و
وزرا ، و
إمرا ،
وحجرا ،
وصهرا ) وليس في
[ ص: 93 ] القرآن غير هذه الستة . وغير منونة (
السحر ، و
الذكر ، والشعر ، و
وزر أخرى ، و
ذكرك ، و
السر ، و
البر ) .
( فهذه )
أقسام الراء المفتوحة بجميع أنواعها . وأجمعوا على تفخيمها في هذه الأقسام كلها إلا أن تقع بعد كسرة ، أو ياء ساكنة والراء مع ذلك وسط كلمة ، أو آخرها فإن
الأزرق له فيها مذهب خالف سائر القراء ، وهو الترقيق مطلقا واستثنى من ذلك أصلين .
الأول : أن لا يقع بعد الراء حرف استعلاء . فمتى وقع بعد الراء حرف استعلاء فإنه يفخمها كسائر القراء ووقع ذلك بعد المتوسطة في أربعة ألفاظ ، وهي ( صراط ) كيف جاء رفعا ونصبا وجرا ، منونا وغير منون ؛ نحو
هذا صراط علي ،
اهدنا الصراط ،
إلى صراط مستقيم ،
وهذا صراط ربك مستقيما ، و ( فراق ) وهو في الكهف والقيامة .
الثاني : إن تكرر الراء بعد ووقع ذلك في ثلاث كلمات
ضرارا . و
فرارا . و
الفرار ، وكذلك يرققها إذا حال بين الكسرة و بينها ساكن فإنه يرققها أيضا بشروط أربعة : أحدها أن لا يكون الفاصل الساكن حرف استعلاء ، ولم يقع من ذلك سوى أربعة أحرف الأول الصاد في قوله تعالى :
إصرا في البقرة
إصرهم في الأعراف
مصرا منونا في البقرة ، وغير منون في يونس موضع ، وفي يوسف موضعان . وفي الزخرف موضع . الثاني الطاء في قوله
قطرا في الكهف فطرت الله في الروم .
الثالث القاف : وهو
وقرا في الذاريات . وقد فخمها
الأزرق عند هذه الثلاثة الأحرف في المواضع المذكورة ، بلا خلاف . والحرف الرابع الخاء في
إخراج حيث وقع ، ولم يعتبره حاجزا وأجراه مجرى غيره من الحروف المستقلة فرقق الراء عنده من غير خلاف . الشرط الثاني أن لا يكون بعده حرف استعلاء ووقع ذلك في كلمتين
إعراضا في النساء و
إعراضهم في الأنعام ، واختلف عنه ( الإشراق ) في ص من أجل كسر القاف كما سيأتي . والشرط الثالث أن لا تكرر الراء في الكلمة فإن تكرر فإنه يفخمها . والذي في القرآن من ذلك
مدرارا وإسرارا والشرط الرابع أن لا تكون الكلمة أعجمية والذي في القرآن من
[ ص: 94 ] ذلك
إبراهيم . و
عمران . و
إسرائيل ، ولم يختلف في تفخيم الراء من هذه الألفاظ المذكورة ، وقد اختلف الرواة بعد ذلك عن
الأزرق فيما تقدم من هذه الأقسام في أصل مطرد وألفاظ مخصوصة .
( فالأصل المطرد ) أن يقع شيء من الأقسام المذكورة منونا فذهب بعضهم إلى عدم استثنائه مطلقا على أي وزن كان وسواء كان بعد كسرة مجاورة ، أو مفصولة بساكن صحيح مظهر ، أو مدغم ، أو بعد ياء ساكنة . فالذي بعد كسرة مجاورة ثمانية عشر حرفا ، وهي
شاكرا ، و
سامرا ، و
صابرا ، و
ناصرا ، و
حاضرا ، و طاهرا ، و
غافر ، و
طائر ، و
فاجرا ، و
مدبرا ، و
مبصرا ، و
مهاجرا ، و
مغيرا ،
ومبشرا ، و
منتصرا ، و
مقتدرا ، و
خضرا ، و
عاقرا والمفصول بساكن صحيح مظهر ومدغم ثمانية أحرف ، وهي
ذكرا ، و
سترا ، و
وزرا ، و
أمرا ، و
حجرا ،
وصهرا ، و
مستقرا ، و
سرا .
والذي بعد ياء ساكنة فتأتي الياء حرف لين وحرف مد ولين فبعد حرف لين في ثلاثة أحرف ، وهي
خيرا ، و
طيرا ، و
سيرا ، وبعد حرف المد واللين منه ما يكون على وزن فعيلا وجملته اثنان وعشرون حرفا ، وهي
قديرا ، و
خبيرا ، و
بصيرا ، و
كبيرا ، و
كثيرا ، و
بشيرا ، و
نذيرا ، و
صغيرا ، و
وزيرا ، و
عسيرا ،
وحريرا ،
وأسيرا .
ومنه ما يكون على غير ذلك الوزن وجملته ثلاثة عشر حرفا ، وهي
تقديرا ، و
تطهيرا ، و
تكبيرا ، و
تبذيرا ، و
تدميرا ، و
تتبيرا ، و
تفسيرا ، و
قوارير ، و
قمطريرا ، و
زمهريرا ، و
منيرا ، و
مستطيرا فرققوا ذلك كله في الحالين وأجروه مجرى غيره من المرقق . وهذا مذهب
أبي طاهر بن خلف صاحب العنوان ، وشيخه
عبد الجبار صاحب المجتبى ،
وأبي الحسن بن غلبون صاحب التذكرة ،
وأبي معشر الطبري صاحب التلخيص ، وغيرهم . وهو أحد الوجهين في الكافي ، وبه قرأ
الداني على شيخه
أبي الحسن ، وهو القياس .
وذهب آخرون إلى استثناء ذلك كله وتفخيمه من أجل التنوين الذي لحقه ، ولم يستثنوا من ذلك شيئا ، وهو مذهب
أبي طاهر ابن هاشم وأبي الطيب [ ص: 95 ] عبد المنعم بن عبيد الله وأبي القاسم الهذلي ، وغيرهم وحكاه
الداني عن
أبي طاهر وعبد المنعم وجماعة . وذهب الجمهور إلى التفصيل فاستثنوا ما كان بعد ساكن صحيح مظهر ، وهو الكلمات الست
ذكرا و
سترا وأخواته ، ولم يستثنوا المدغم ، وهو :
سرا و
مستقرا ؛ من حيث إن الحرفين في الإدغام كحرف واحد ، إذ اللسان يرتفع بهما ارتفاعة واحدة من غير مهلة ، ولا فرجة ، فكأن الكسرة قد وليت الراء في ذلك ، وهذا مذهب الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبي عمرو الداني وشيخيه
أبي الفتح والخاقاني ، وبه قرأ عليهما ، وكذلك هو مذهب
أبي عبد الله بن سفيان وأبي العباس المهدوي وأبي عبد الله بن شريح وأبي علي بن بليمة وأبي محمد مكي وأبي القاسم بن الفحام nindex.php?page=showalam&ids=14563والشاطبي ، وغيرهم . إلا أن بعض هؤلاء استثنى من المفصول بالساكن الصحيح صهرا . فرققه من أجل إخفاء الهاء
كابن شريح والمهدوي nindex.php?page=showalam&ids=13222وابن سفيان وابن الفحام ، ولم يستثنه
الداني ، ولا
ابن بليمة ، ولا
الشاطبي ففخموه ، وذكر الوجهين جميعا
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي .
وذهب آخرون إلى ترقيق كل منون ، ولم يستثنوا
ذكرا وبابه فمنهم أبو الحسن طاهر بن غلبون ، وغيره ، وبه قرأ
الداني عليه وأجمعوا على استثناء :
مصرا ، و
إصرا ، و
قطرا ، و
وزرا ، و
وقرا من أجل حرف الاستعلاء .
( تنبيه ) : قول
أبي شامة : ولا يظهر لي فرق بين كون الراء في ذلك مفتوحة ، أو مضمومة ، بل المضمومة أولى بالتفخيم لأن التنوين حاصل مع ثقل الضم ، قال : وذلك كقوله تعالى :
هذا ذكر انتهى .
( قلت ) : وقد أخذ الجعبري هذا منه مسلما فغلط
الشاطبي في قوله : وتفخيمه
ذكرا و
سترا وبابه - حتى غير هذا البيت فقال : ولو قال مثل :
كذكرا رقيق للأقل وشاكر خبير لأعيان وسرا تعدلا
لنص على الثلاثة فسوى بين ذكر المنصوب ، وذكر المرفوع ، وتمحل لإخراج ذلك من كلام
الشاطبي فقال : ومثالا الناظم دلا على العموم فذكر
مبارك مثالا للمضموم ، ونصبها لإيقاع المصدر عليها ، ولو حكاها لأجاد انتهى . وهذا كلام من لم
[ ص: 96 ] يطلع على مذاهب القوم في اختلافهم في ترقيق الراءات وتخصيصهم الراء المفتوحة بالترقيق دون المضمومة وأن من مذهبه ترقيق المضمومة لم يفرق بين
ذكر ، و
بكر ، و
سحر ، و
شاكر ، و
قادر ، و
مستمر ، و
يغفر ، و
يقدر كما سيأتي بيانه - والله أعلم - .
ثم اختلف هؤلاء الذين ذهبوا إلى التفصيل فيما عدا ما فصل بالساكن الصحيح فذهب بعضهم إلى ترقيقه في الحالين سواء كان بعد ياء ساكنة نحو
خبيرا ، و
بصيرا ، و
خيرا وسائر أوزانه ، أو بعد كسرة مجاورة نحو
شاكرا و
خضرا وسائر الباب . وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبي عمرو الداني وشيخيه
أبي الفتح وابن خاقان ، وبه قرأ عليهما ، وهو أيضا مذهب
أبي علي بن بليمة وأبي القاسم بن الفحام وأبي القاسم الشاطبي ، وغيرهم ، وهو أحد الوجهين في الكافي والتبصرة ، وذهب الآخرون إلى تفخيم ذلك وصلا من أجل التنوين والوقف عليه بالترقيق كابن سفيان ،
والمهدوي . وهو الوجه الثاني في الكافي ، وذكره في التجريد عن شيخه
عبد الباقي عن قراءته على أبيه في أحد الوجهين في الوقف ، وانفرد صاحب التبصرة في الوجه الثاني بترقيق ما كان وزنه فعيلا في الوقف وتفخيمه في الوصل ، وذكر أنه مذهب شيخه أبي الطيب .