تنبيهات
( الأول ) لا يخلو
ما قبل الحرف المدغم إما أن يكون محركا ، أو ساكنا ، فإن كان محركا فلا كلام فيه ، وإن كان ساكنا فلا يخلو إما أن يكون معتلا ، أو صحيحا ، فإن كان معتلا ، فإن الإدغام معه ممكن حسن لامتداد الصوت به ، ويجوز فيه ثلاثة أوجه ، وهي المد المتوسط ، والقصر ، كجوازها في الوقف ، إذ كان حكم المسكن للإدغام كالمسكن للوقف كما تقدم ، وممن نص على ذلك الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=11881أبو العلاء الهمذاني فيما نقله عنه
أبو إسحاق الجعبري ، وهو ظاهر لا نعلم له نصا بخلافه ، وذلك نحو (
الرحيم ملك ) ،
قال لهم ،
يقول ربنا ، وكذا لو انفتح ما قبل الواو والياء نحو
قوم موسى ،
كيف فعل والمد أرجح من القصر ، ونص عليه
أبو القاسم الهذلي ، ولو قيل باختيار المد في حرف المد والتوسط في حرف اللين لكان له وجه ؛ لما يأتي في باب المد إن كان الساكن حرفا صحيحا
[ ص: 299 ] فإن الإدغام الصحيح معه يعسر ؛ لكونه جميعا بين ساكنين أولهما ليس بحرف علة ، فكان الآخذون فيه بالإدغام الصحيح قليلين ، بل أكثر المحققين من المتأخرين على الإخفاء ، وهو الروم المتقدم ، ويعبر عنه بالاختلاس ، وحملوا ما وقع من عبارة المتقدمين بالإدغام على المجاز ، وذلك نحو
شهر رمضان ، و
الرعب بما ، و
العلم ما لك ، و
المهد صبيا ، و
من بعد ظلمه ، و
العفو وأمر ، و
زادته هذه ( قلت ) وكلاهما ثابت صحيح مأخوذ به ، والإدغام الصحيح هو الثابت عند قدماء الأئمة من أهل الأداء ، والنصوص مجتمعة عليه ، وسيأتي تتمة الكلام على ذلك عند ذكر ( نعما ) إذ السكون فيها كالسكون فيهن ، وخص بعضهم هذا النوع منه بالإظهار ، وإن لم يرد الروم فقد أبعد ، والله أعلم .
( الثاني ) كل من أدغم الراء في مثلها ، أو في اللام أبقى إمالة الألف قبلها نحو وقنا عذاب النار ربنا ، و
النهار الآيات ، من حيث إن الإدغام عارض والأصل عدم الاعتداد . وروى
ابن حبش عن
السوسي فتح ذلك حالة الإدغام اعتدادا بالعارض ، وسيأتي الكلام على ذلك بحقه في باب الإمالة ، والله الموفق .
( الثالث ) أجمع رواة الإدغام ، عن
أبي عمرو ، على إدغام القاف في الكاف إدغاما كاملا يذهب معه صفة الاستعلاء ولفظها ، ليس بين أئمتنا في ذلك خلاف ، وبه ورد الأداء وصح النقل ، وبه قرأنا وبه نأخذ ، ولم نعلم أحدا خالف في ذلك ، وإنما خالف من خالف في
ألم نخلقكم ممن لم يروا إدغام
أبي عمرو ، والله أعلم . وكذلك أجمعوا على إدغام النون في اللام والراء إدغاما خالصا كاملا من غير غنة من روى الغنة عنه في النون الساكنة والتنوين عند اللام والراء ومن لم يروها ، كما سيأتي ذكر من روى الغنة عنه في ذلك في باب أحكام النون الساكنة والتنوين ، فاعلم ذلك ، والله تعالى أعلم .
( فهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء ) - رحمه الله تعالى - في الإدغام الكبير
[ ص: 300 ] قد حررناه مستوفى مستقصى بحمد الله تعالى ومنه ( وها نحن ) نتبعه بأحرف تتعلق بالإدغام الكبير . منها ما وافق بعضهم عليها أبا عمرو ، ومنها ما انفرد بها عنه ، نذكرها مستوفاة إن شاء الله تعالى . فوافقه
حمزة على إدغام التاء في أربعة مواضع من غير إشارة :
والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ،
والذاريات ذروا واختلف عن
خلاد عنه في :
فالملقيات ذكرا ،
فالمغيرات صبحا فرواهما بالإدغام
nindex.php?page=showalam&ids=13579أبو بكر بن مهران ، عن أصحابه عن الوزان ، عن
خلاد وأبو الفتح فارس بن أحمد ، وبه قرأ
الداني عليه ، وروى
أبو إسحاق الطبري ، عن
البختري ، عن الوزان ، عن
خلاد إدغام
فالملقيات ذكرا فقط . وروى سائر الرواة ، عن
خلاد إظهارهما ، وذكر الوجهين عنه
nindex.php?page=showalam&ids=14563أبو القاسم الشاطبي ومن تبعه ، وانفرد
ابن خيرون عنه بإدغام :
والعاديات ضبحا ووافقه
يعقوب على إدغام الباء في موضع واحد ، وهو
والصاحب بالجنب في النساء ، واختص دونه بإدغام التاء في حرف واحد وهو
تتمارى من قوله :
فبأي آلاء ربك تتمارى من سورة النجم ، ووافقه
رويس على إدغام أربعة أحرف بلا خلاف منها الكاف ، في الكاف ثلاثة أحرف وهي :
كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت في سورة " طه " ، والرابع الباء في سورة " المؤمنون "
فلا أنساب بينهم واختص عنه بإدغام التاء في موضع واحد ، وهو قوله تعالى : في سورة سبأ :
ثم تتفكروا وزاد الجمهور عنه إدغام اثني عشر حرفا ، وهي
لذهب بسمعهم في البقرة
وجعل لكم جميع ما في النحل وهي ثمانية مواضع ، ولا
قبل لهم بها في النمل ( وأنه هو أغنى ، وأنه هو رب الشعرى ) وهما الأخيران من سورة النجم ، فأدغمها
أبو القاسم النخاس من جميع طرقه ، وكذلك
الجوهري كلاهما عن
التمار ، وهو الذي لم يذكر في " المستنير " و " الإرشاد " و " المبهج " و " التذكرة "
nindex.php?page=showalam&ids=12111والداني وابن الفحام وأكثر أهل الأداء ، عن
رويس سواه ، وكذا في " الروضة " غير أنه ذكر في جعل التخيير عن
الحمامي ، وذكرها
الهذلي من طريق
[ ص: 301 ] الحمامي ، عن أصحابه عنه ، رواه
أبو الطيب وابن مقسم كلاهما عن
التمار عنه بالإظهار ، واختلف عنه أيضا في أربعة عشر حرفا وهي ثلاثة في البقرة
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ،
والعذاب بالمغفرة ، وبعدها
نزل الكتاب بالحق ، و
إن الذين وفي الأعراف
من جهنم مهاد وفي الكهف
لا مبدل لكلماته ، وفي مريم
فتمثل لها ، وفي طه :
ولتصنع على عيني ، وفي النمل :
وأنزل لكم ، وكذلك في الزمر ، وفي الروم :
كذلك كانوا ، وفي الشورى :
جعل لكم من أنفسكم ، وفي النجم :
وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وهما الحرفان الأولان ، وفي الانفطار :
ركبك كلا فروى
أبو العز في كفايته ، عن
القاضي أبي العلاء إدغام
الكتاب بأيديهم ، وهو الذي في " المبهج " ، عن
رويس .
روى صاحب " الإرشاد " عن
القاضي أيضا إدغام " العذاب بالمغفرة " ورواه أيضا في " الكفاية " عن
الكارزيني ، وهو الذي في " التذكرة " و " المصباح " و " التلخيص " ، عن
رويس . وروى
النخاس في الإرشادين و " المصباح " و " غاية
أبي العلاء " إدغام " نزل الكتاب بالحق وإن الذين " واستثنى ذلك
الكارزيني في " الكفاية " عن
النخاس ، وهو الصحيح ، وذكره في " الإرشاد " للقاضي ، ولم يذكر في " الروضة " ، عن
رويس في إدغامها خلافا ، ونص عليه
الحمامي في " الكامل " ، ولم يذكر في " المستنير " عن
رويس سواه . وروى
النخاس ، عن طريق
الكارزيني إدغام
جهنم مهاد وذكره في " الكامل " عن
الحمامي ، وهو الذي في " المصباح " و " الروضة " و " المستنير " ، عن
رويس . وروى
الكارزيني عن
النخاس إدغام
لا مبدل لكلماته ، وكذا هو في " المبهج " و " الكفاية " ومفردة
nindex.php?page=showalam&ids=12835ابن الفحام ولم يذكر في التذكرة سواه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني ،
وابن الفحام إدغام
فتمثل لها ،
ولتصنع على الحرفين كليهما ، وهو الذي في " التذكرة " و " المبهج " . وروى
طاهر بن غلبون وابن الفحام إدغام أنزل لكم في الموضعين ، وهو الذي في " المبهج " ، وفي " الكفاية " عن
الكارزيني . وروى
الأهوازي ،
وعبد الباري إدغام
كذلك كانوا ،
وهو الذي في " التذكرة " و " المبهج " ، وروى صاحب
[ ص: 302 ] " المبهج " إدغام
جعل لكم في الشورى ،
وهو الذي في " التذكرة " ، ورواه في " الكفاية " عن
الكارزيني ، وروى إدغام الموضعين
إنه هو الأولين من النجم
أبو العلاء في غايته عن
النخاس ، وهو الذي في الإرشادين و " المستنير " و " الروضة " ، وروى
الأهوازي إدغام
ركبك كلا ، وهو الذي في " المبهج " . وروى الباقون عن
رويس إظهار جميع ذلك ، والوجهان عنه صحيحان ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12835أبو القاسم بن الفحام عن
الكارزيني إدغام
جعل لكم جميع ما في القرآن ، وهو ستة وعشرون حرفا . منها الثمانية المتقدمة في النحل ، وحرف الشورى ، وسبعة عشر حرفا سوى ذلك ، وهي في البقرة حرف :
جعل لكم الأرض ، وفي الأنعام
جعل لكم النجوم ، وفي يونس
جعل لكم الليل ، وفي الإسراء
وجعل لهم أجلا ، وفي طه
جعل لكم الأرض ، وفي الفرقان
جعل لكم الليل ، وفي القصص
جعل لكم الليل ، وفي السجدة
وجعل لكم السمع ، وفي يس
جعل لكم من ، وفي غافر ثلاثة ، وفي الزخرف ثلاثة ، وفي الملك حرفان ، وفي نوح
جعل لكم الأرض بساطا ، وروى
أبو علي في روضته
، وابن الفحام أيضا التخيير فيها عن
الحمامي ، أي في غير التسعة المتقدمة أولا ، وإلا فلا خلاف عنه في التسعة المذكورة ، وكذا روى
الأهوازي ، عن
رويس إدغام " جعل لكم " مطلقا يعني في الستة والعشرين كما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12835ابن الفحام ، وانفرد
الأهوازي بإدغام الباء في الباء في جميع القرآن ، عن
رويس إلا قوله تعالى في سورة الأنعام : " ولا نكذب بآيات ربنا " وانفرد
عبد الباري في إدغام
فتلقى آدم من ربه في البقرة
ولا نكذب بآيات ربنا في الأنعام ، وانفرد القاضي
أبو العلاء عنه أيضا بإدغام
أن تقع على الأرض في الحج
وطبع على قلوبهم جميع ما في القرآن ، وجاوزه هو ، وانفرد
ابن العلاف بإدغام " ومن عاقب بمثل ما " في الحج ، وذكر صاحب " المصباح " ، عن
رويس وروح وغيرهما وجميع رواة
يعقوب إدغام كل ما أدغمه
أبو عمرو من حروف المعجم ، أي : من المثلين والمتقاربين ، وذكره شيخ شيوخنا
الأستاذ أبو حيان في كتابه المطلوب
[ ص: 303 ] في قراءة
يعقوب ، وبه قرأنا على أصحابنا عنه ، وربما أخذنا عنه به ، وحكاه
الإمام أبو الفضل الرازي ، واستشهد به للإدغام مع تحقيق الهمز .
( قلت ) : هو رواية
الزبيري ، عن
روح ورويس وسائر أصحابه ، عن
يعقوب . ( تنبيه ) إذا ابتدئ
ليعقوب بقوله :
تتمارى المتقدمة ،
ولرويس بقوله :
تتفكروا ابتدئ بالتاءين جميعا مظهرتين لموافقة الرسم والأصل ، فإن الإدغام إنما يتأتى في الوصل ، وهذا بخلاف الابتداء بتاءات
البزي الآتية في البقرة ، فإنها مرسومة بتاء واحدة ، فكان الابتداء كذلك موافقة للرسم ، فلفظ الجميع في الوصل واحد ، والابتداء مختلف لما ذكرنا ، والله أعلم .
وبقي من هذا الباب خمسة أحرف .
( الأول ) :
بيت طائفة منهم في النساء أدغم التاء منه في الطاء
أبو عمرو وحمزة ، وليس إدغامه
لأبي عمرو كإدغام باقي الباب ، بل كل أصحاب
أبي عمرو مجمعون على إدغامه من أدغم منهم الإدغام الكبير ، ومن أظهره ، وكذلك قال
الداني : ولم يدغم
أبو عمرو من الحروف المتحركة إذا قرأ بالإظهار سواه . انتهى ، كما ذكرنا في التاء من المتقاربين ، وقد قدمنا أن بعضهم جعله عنده من السواكن ، ولم يجعله من الكبير .
( الثاني )
أتعدانني في الأحقاف أدغم النون
هشام عن
ابن عامر ، وهي قراءة
الحسن ، وحكاها
أبو حاتم ، عن
نافع ، ورواها
محبوب ، عن
أبي عمرو وسلام ومحبوب عن
ابن كثير ، وقرأ الباقون بالإظهار ، وكلهم كسر النون الأولى .
( الثالث ) :
أتمدونني بمال في النمل أدغم النون في النون حمزة
ويعقوب ، وقرأ الباقون بالإظهار ، وهي بنونين في جميع المصاحف ، وسيأتي الكلام على بابها في الزوائد ، ولا خلاف عمن أدغمها في مد الألف والواو للساكنين .
( الرابع ) : قال ما مكنني في الكهف ، فقرأ
ابن كثير بإظهار النونين ، وكذا في مصاحف أهل
مكة ، وقرأ الباقون بالإدغام وهي في مصاحفهم بنون واحدة .
( الخامس ) :
لك لا تأمنا في يوسف ، أجمعوا على إدغامه محضا من غير إشارة ، بل يلفظ بالنون مفتوحة مشددة ، وقرأ الباقون بالإشارة واختلفوا فيها ،
[ ص: 304 ] فبعضهم يجعلها روما ، فتكون حينئذ إخفاء ، ولا يتم معها الإدغام الصحيح كما قدمنا في إدغام
أبي عمرو ، وبعضهم يجعلها إشماما ، فيشير إلى ضم النون بعد الإدغام ، فيصح معه حينئذ الإدغام كما تقدم ، وبالأول قطع
الشاطبي ، وقال
الداني : إنه هو الذي ذهب إليه أكثر العلماء من القراء النحويين ، قال : وهو الذي أختاره وأقول به . قال : وهو قول
أبي محمد اليزيدي وأبي حاتم النحوي وأبي بكر بن مجاهد وأبي الطيب أحمد بن يعقوب التائب وأبي طاهر بن أبي هاشم وأبي بكر بن أشتة وغيرهم من الجلة ، وبه ورد النص ، عن
نافع من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش ، انتهى .
وبالقول الثاني قطع سائر أئمة أهل الأداء من مؤلفي الكتب ، وحكاه أيضا
الشاطبي - رحمه الله تعالى - وهو اختياري ؛ لأني لم أجد نصا يقتضي خلافه ولأنه الأقرب إلى حقيقة الإدغام وأصرح في اتباع الرسم ، وبه ورد نص الأصبهاني وانفرد
ابن مهران ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون بالإدغام المحض كقراءة
أبي جعفر ، وهي رواية
أبي عون عن
الحلواني وأبي سليمان وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون ، والجمهور على خلافه ، والله أعلم .