هو من أشرف الطاعات ، أمر الله به عباده فضلا وكرما وما تفضل بالإجابة فقال : ( ادعوني أستجب لكم ) ( سورة غافر : الآية 60 ) . وروى أحمد بإسناد لا بأس به عن أبي هريرة مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352394من لم يدع الله غضب عليه " ولأبي يعلى عن أنس عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيما يروي عن ربه في حديث : وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة . وقيل : المراد في الآية العبادة لقوله : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ( سورة غافر : الآية 60 ) والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) ( سورة النساء : الآية 117 ) وأجاب الأولون بأن هذا ترك للظاهر .
وقال التقي السبكي : الأولى حمل الدعاء على [ ص: 41 ] ظاهره . وأما قوله عن عبادتي فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عنها استكبر عن الدعاء . وعلى هذا فالوعيد إنما هو حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر ، انتهى .
وأجيب بأن العقل إذا استغرق في الثناء كان أفضل من الدعاء ; لأن الدعاء طلب الجنة ، والاستغراق في معرفة جلال الله أفضل من الجنة ، أما إذا لم يحصل الاستغراق فالدعاء أولى لاشتماله على معرفة الربوبية وذل العبودية ، والصحيح استحباب الدعاء ، ورجح بعضهم تركه استسلاما للقضاء ، وقيل : إن دعا لغيره فحسن ، وإن خص نفسه فلا . وقيل : إن وجد في نفسه باعثا للدعاء استحب وإلا فلا .
492 495 - ( مالك ، عن أبي الزناد ) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة ) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر ( أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : لكل نبي دعوة ) مستجابة ( يدعو بها ) بهذه الدعوة مقطوع فيها بالإجابة وما عداها على رجاء الإجابة على غير يقين ولا وعد .
وبهذا أجيب عن إشكال ظاهره بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وبأن معناه أفضل دعوات كل نبي ، ولهم دعوات أخرى ، وبأن معناه لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم .
وجاء في ساعة الجمعة لا يسأل فيها عبد ربه شيئا إلا أعطاه . وقال في الدعاء بين الأذان والإقامة ، وعند الصف في سبيل الله ، وعند الغيث ، وغير ذلك أنها أوقات ترجى فيها إجابة الدعاء .
( فأريد أن أختبئ ) بسكون المعجمة وفتح الفوقية وكسر الموحدة فهمزة ، أي أدخر ( دعوتي ) المقطوع بإجابتها ( شفاعة لأمتي في الآخرة ) في أهم أوقات حاجتهم ، ففيه كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم ، جزاه الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته .
قال ابن بطال : في الحديث بيان فضيلة نبينا على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ، ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم كما وقع لغيره ممن تقدم . وقال ابن الجوزي : هذا من حسن تصرفه ، صلى الله عليه وسلم ; لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ، ومن كثرة كرمه ; لأنه آثر أمته على نفسه ، ومن صحة نظره ; لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين ، هذا وقول بعض شراح المصابيح : جميع دعوات الأنبياء مجابة ، والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع فأعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم . والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة ، تعقبه الطيبي بأنه ، صلى الله عليه وسلم ، دعا على أحياء العرب وعلى أناس من قريش بأسمائهم ، ودعا على رعل وذكوان ومضر ، قال : والأولى أن يقال جعل الله لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته فنالها كل منهم في الدنيا ، وأما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) ( سورة آل عمران : الآية 128 ) فأبقى تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة .
وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم وإنما أراد ردعهم ليتوبوا . قال : وأما جزمه أولا بأن جميع أدعية الأنبياء مجابة فغفلة عن الحديث : " سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة " . الحديث ، انتهى .
وفيه إثبات الشفاعة . قال ابن عبد البر : وهي ركن من أركان اعتقاد أهل السنة ، قال : وأجمعوا على أن قوله تعالى : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) ( سورة الإسراء : الآية 79 ) هو الشفاعة في المذنبين من أمته إلا ما روي عن مجاهد أنه جلوسه على العرش . وروي عنه كالجماعة فصار إجماعا ، وقد صح نصا عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .
وأحاديث الشفاعة متواترة صحاح منها : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352397شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . وقال جابر : من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة ولا ينازع في ذلك إلا أهل البدع ، انتهى . وهذا الحديث رواه البخاري في الدعوات : حدثني إسماعيل قال : حدثني مالك به ، ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا به فلمالك فيه إسنادان .