[ ص: 43 ] 493 496 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد أنه بلغه ) قال أبو عمر : لم تختلف الرواة عن مالك في سنده ولا في متنه ، ورواه أبو شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار ( أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان يدعو فيقول ) وهو مرسل ، فمسلم تابعي ( اللهم فالق الإصباح ) قال الباجي : أي خلقه وابتدأه وأظهره ( وجاعل الليل سكنا ) أي يسكن فيه ، قال الباجي : الجعل لغة الخلق والحكم والتسمية ، فإذا تعدى إلى مفعول واحد فهو بمعنى الخلق كقوله : ( وجعل الظلمات والنور ) ( سورة الأنعام : الآية 1 ) وإلى مفعولين فيكون بمعنى الحكم والتسمية نحو : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) ( سورة الزخرف : الآية 19 ) وبمعنى الخلق كقولهم : الحمد لله الذي جعلني مسلما .
فقوله ( وجاعل الليل سكنا ) يحتمل الوجهين ( والشمس والقمر حسبانا ) قال أبو عمر : أي حسابا أي بحساب معلوم ، وقد يكون جمع حساب كشهاب وشهبان ، وقال الباجي : أي يحسب بهما الأيام والشهور والأعوام ، قال تعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) ( سورة يونس : الآية 5 ) ( اقض عني الدين ) قال ابن عبد البر : الأظهر فيه ديون الناس ويدخل في ذلك ديون الله تعالى ، وفي الحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352398دين الله أحق أن يقضى " . ( وأغنني من الفقر ) ; لأنه بئس الضجيع ، وهذا الفقر هو الذي لا يدرك معه القوت ، وقد أغناه الله تعالى كما قال : ( ووجدك عائلا فأغنى ) ( سورة الضحى : الآية 8 ) ولم يكن غناه أكثر من اتخاذ قوت سنة لنفسه وعياله ، والغنى كله في قلبه ثقة بربه ، وقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352399اللهم ارزق آل محمد قوتا " . ولم يرد بهم إلا الأفضل . وقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352400ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " . وكان يستعيذ من فقر مبئس وغنى مطغ ، ويستعيذ من فتنة الغنى والفقر ، وقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352268اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين ، ولا تجعلني جبارا شقيا " . والمسكين هنا المتواضع لا السائل ; لأنه كره السؤال ونهى عنه وحرمه على من يجد ما يغديه ويعشيه ، والآثار في هذا كثيرة ، وربما ظهر في بعضها تعارض ، وبهذا التأويل تتقارب معانيها ، فمن آتاه الله سعة وجب شكره عليها ، ومن ابتلي بالفقر وجب عليه الصبر ، إلا أن الفرائض تتوجه على الغني وهي ساقطة عن الفقير ، وللقيام بها فضل عظيم ، وللصبر على الفقر ثواب جسيم : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ( سورة الزمر : الآية 10 ) وخير الأمور أوساطها أشار له أبو عمر . وقال أبو عبد الملك [ ص: 44 ] : قيل أراد فقر النفس ، وقيل الفقر من الحسنات ، وقيل الفقر من المال الذي يخشى على صاحبه إذا استولى عليه نسيان الفرائض وذكر الله ، وجاء في الأثر : اللهم إني أعوذ بك من فقر ينسيني وغنى يطغيني .
وهذا التأويل يدل على أن الكفاف أفضل من الفقر والغنى ; لأنهما بليتان يختبر الله بهما عباده .
( وأمتعني بسمعي ) لما فيه من التنعم بالذكر وسماع ما يسر ( وبصري ) لما فيه من رؤية مخلوقات الله والتدبر فيها وغير ذلك ، وفيه لغيره تلاوة القرآن في المصحف . ( و ) أمتعني بـ ( قوتي ) بفوقية قبل الياء الموحدة ، القوى ، ويروى : وقوني ، بنون بدل الفوقية ، قال ابن عبد البر : والأول أكثر عند الرواة ( في سبيلك ) قال الباجي : يحتمل أن يريد الجهاد ، وأن يريد جميع أعمال البر من تبليغ وغيرها فذلك كله سبيل الله .
وقد قال مالك : من قال مالي في سبيل الله ، سبل الله تعالى كثيرة ، ولكن يوضع في الغزو فخصه بالعرف . قال ابن عبد البر : ولا يعارض هذا ما جاء عن الله تعالى : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352401إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم يكن له جزاء إلا الجنة " ; لأن هذا من الفرائض والحض على الصبر بعد الوقوع ، فلا ينافي الدعاء بالإمتاع قبل وقوعه ; لأنه أقرب إلى الشكر ، قال مطرف بن الشخير : لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر .