496 499 - ( مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبد الله ) سلمان بسكون اللام ( الأغر ) بفتح الغين المعجمة وشد الراء ، الجهني ، مولاهم المدني ، وأصله من أصبهان ، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري ( عن أبي هريرة أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ينزل ربنا ) اختلف فيه فالراسخون في العلم ، يقولون : آمنا به كل من عند ربنا ، على طريق الإجمال منزهين لله تعالى عن الكيفية والتشبيه .
ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي وغيرهم ، قال البيهقي : وهو أسلم . ويدل عليه اتفاقهم على أن التأويل المعين لا يجب فحينئذ التفويض أسلم .
وقال ابن العربي : النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته ، بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه ، فالنزول حسي صفة الملك المبعوث بذلك ، أو معنوي بمعنى لم يفعل ثم فعل فسمي ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة .
والحاصل أنه تأوله بوجهين : إما أن المعنى ينزل أمره أو الملك ، وإما أنه استعارة بمعنى التلطف والإجابة لهم ونحوه .
وكذا حكي عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته ، كما يقال فعل الملك كذا أي أتباعه بأمره ، لكن قال ابن [ ص: 47 ] عبد البر : قال قوم ينزل أمره ورحمته وليس بشيء ; لأن أمره بما يشاء من رحمته ونعمته ينزل بالليل والنهار بلا توقيت ثلث الليل ولا غيره ، ولو صح ذلك عن مالك لكان معناه أن الأغلب في الاستجابة ذلك الوقت . وقال الباجي : هو إخبار عن إجابة الداعي وغفرانه للمستغفرين وتنبيه على فضل الوقت كحديث : " إذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا . الحديث ، لم يرد قرب المسافة لعدم إمكانه ، وإنما أراد العمل من العبد ومنه تعالى الإجابة .
ولك أن تقول : الإشكال مدفوع حتى على أنه ينزل بفتح أوله الذي هو الرواية الصحيحة . وكل من حديثي النسائي وأحمد يقوي تأويله بأنه من مجاز الحذف أو الاستعارة . وقال البيضاوي : لما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه ، فالمراد دنو رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة .
( تبارك وتعالى ) جملتان معترضتان بين الفعل وظرفه وهو ( كل ليلة ) لما أسند النزول إلى ما لا يليق إسناده حقيقة إليه اعترض بما يدل على التنزيه كقوله تعالى : ( ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ) ( سورة النحل : الآية 57 ) ( إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ) برفعه صفة ( ثلث ) ، وتخصيصه بالليل وثلثه الآخر ; لأنه وقت التهجد وغفلة الناس عن التعرض لنفحات رحمة الله ، وعند ذلك تكون النية خالصة والرغبة إلى الله وافرة وذلك مظنة القبول والإجابة .
ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت ، واختلف عن أبي هريرة وغيره .
قال الترمذي : رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك ، ويقويه أن الروايات المخالفة له اختلف فيها على راويها وانحصرت في ستة هذه ثانيها : إذا مضى الثلث الأول . ثالثها : الثلث الأول أو النصف . رابعها : النصف . خامسها : الثلث الأخير أو النصف . سادسها : الإطلاق فجمع بينها بحمل المطلقة على المقيدة . وأما التي بأو فإن كانت للشك فالجزم مقدم على الشك ، وإن كانت للتردد بين حالتين فيجمع بأن ذلك يقع بحسب [ ص: 48 ] اختلاف الأحوال ; لأن أوقات الليل تختلف في الزيادة ، وفي الأوقات باختلاف تقدم الليل عند قوم وتأخره عند قوم ، أو النزول يقع في الثلث الأول ، والقول يقع في النصف ، وفي الثلث الثاني ، أو يحمل ذلك على وقوعه في جميع الأوقات التي وردت بها الأحاديث ، ويحمل على أنه ، صلى الله عليه وسلم ، أعلم بأحد الأمور في وقت ، فأخبر به ، ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به ، فنقل الصحابة ذلك عنه .
( فيقول من يدعوني فأستجيب ) أي أجيب ( له ) دعاءه ، فليست السين للطلب ( من يسألني فأعطيه ) مسئوله ( من يستغفرني فأغفر له ) ذنوبه ، بنصب الأفعال الثلاثة في جواب الاستفهام ، وبالرفع على الاستئناف ، وبهما قرئ : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) ( سورة البقرة : الآية 245 ) ولم تختلف الروايات عن الزهري في الاقتصار على الثلاثة ، والفرق بينها أن المطلوب إما رفع المضار أو جلب المسار ، وذلك إما دنيوي أو ديني ، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول ، والدعاء إشارة إلى الثاني ، والسؤال إشارة إلى الثالث .
وقال الكرماني : يحتمل أن الدعاء ما لا طلب فيه ، والسؤال الطلب ، ويحتمل أن المقصود واحد وإن اختلف اللفظ ، انتهى .
وزاد حجاج بن أبي منيع عن الزهري عن الدارقطني : " حتى الفجر " .
وفي رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة : " حتى الفجر " . وعليه اتفق معظم الروايات . وللنسائي عن نافع بن جبير عن أبي هريرة : " حتى تحل الشمس " ، وهي شاذة .
وفي الحديث تفضيل آخر الليل على أوله ، وأنه أفضل الدعاء والاستغفار ، ويشهد له قوله تعالى : ( والمستغفرين بالأسحار ) ( سورة آل عمران : الآية 17 ) وأن الدعاء ذلك الوقت مجاب ، ولا يعترض بتخلفه عن بعض الداعين ; لأن سببه وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس ، أو استعجال الداعي ، أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم ، أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد ، أو لأمر يريده الله تعالى ، هذا وقد حمل المشبهة الحديث ، وأحاديث التشبيه كلها على ظاهرها - تعالى الله عن قولهم - وأما المعتزلة والخوارج فأنكروا صحتها جملة وهو مكابرة ، والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك ، وأنكروا الأحاديث جهلا أو عنادا ، ومن العلماء من فرق بين التأويل القريب المستعمل لغة ، وبين البعيد المهجور ، فأول في بعض وفوض في بعض ، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد ، ونقل عن الإمام ، قال الباجي : منع مالك في العتبية [ ص: 49 ] التحديث بحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352410اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " ، وحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352411إن الله خلق آدم على صورته " ، وحديث : " الساق " وقال : ما يدعو الإنسان إلى أن يحدث به وهو يرى ما فيه من التغرير ، ولم ير مثله حديث : " إن الله يضحك " ، وحديث : " ينزل ربنا " ، فأجاز التحديث بهما .
قال : فيحتمل الفرق بينهما بأن حديث التنزل والضحك أحاديث صحاح ، لم يطعن في شيء منهما ، وحديث العرش والصورة والساق لا تبلغ أحاديثها في الصحة درجة التنزل والضحك ، وبأن التأويل في حديث التنزل أقرب وأبين ، والعذر بسوء التأويل فيها أبعد ، انتهى . وأخرجه البخاري في الصلاة عن القعنبي ، وفي الدعوات عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، وفي التوحيد عن إسماعيل . ومسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى كلهم عن مالك به .