حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد فقال ناس يدفن عند المنبر وقال آخرون يدفن بالبقيع فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه فسمعوا صوتا يقول لا تنزعوا القميص فلم ينزع القميص وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم
544 545 - ( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ) كما في الصحيح عن عائشة وأنس ولا خلاف فيه بين العلماء . زاد ابن سعد في الطبقات عن علي وعائشة : " لاثنتي [ ص: 94 ] عشرة مضت من ربيع الأول ، وعنده عن الزهري : حين زاغت الشمس ، وفيه فضل الموت في يومه على غيره كما أشار إليه البخاري . وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352487ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر " . إسناده ضعيف ، وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف ، قال الزين بن المنير : تعيين وقت للموت ليس لأحد فيه اختيار ، لكن التسبب في حصوله كالرغبة إلى الله لقصد التبرك ، فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده .
( ودفن يوم الثلاثاء ) أخرجه ابن سعد عن علي قال : اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر ، وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول ، ودفن يوم الثلاثاء " ، وكذا أخرج دفنه يوم الثلاثاء ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب ، وعنده عن سهل بن سعد دفن يوم الأربعاء ، قال ابن كثير : القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب والمشهور عن الجمهور أنه دفن ليلة الأربعاء ، انتهى . ولا غرابة فيه وقد جاء عن علي وابن المسيب وأبي سلمة ، وإنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته ، أو في محل دفنه ، أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق ، ولدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله ، فصار بعضهم كجسد بلا روح وبعضهم عاجزا على النطق وبعضهم عن المشي ، أو لخوف هجوم عدو ، أو لصلاة جم غفير عليه .
( وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ) أخرجه البيهقي عن ابن عباس ، وابن سعد عن سهل بن سعد ، وعن ابن المسيب وغيره . وللترمذي : " أن الناس قالوا لأبي بكر : أنصلي على رسول الله ؟ قال : نعم ، قالوا : وكيف نصلي ؟ قال : يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ، ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى " .
ولابن سعد عن علي قال : " هو إمامكم حيا وميتا فلا يقوم عليه أحد ، فكان الناس تدخل رسلا فرسلا فيصلون صفا صفا ليس لهم إمام ويكبرون ، وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته ، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده ، واجمع بيننا وبينه ، فيقول الناس : آمين ، حتى صلى عليه الرجال ، ثم النساء ثم الصبيان " وظاهر هذا أن المراد بالصلاة عليه ما ذهب إليه جماعة أن من خصائصه أنه لم يصل عليه أصلا ، وإنما كان الناس يدخلون فيدعون ويصدقون . قال الباجي : ولهذا وجه وهو أنه أفضل من كل شهيد ، والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه ، وإنما فارق الشهيد في الغسل ; لأنه حذر من غسله إزالة الدم عنه ، وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان بشهادته في الآخرة ، وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره إزالته عنه فافترقا ، انتهى .
وأجيب بأن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين مع أن الكامل يقبل زيادة التكميل . وقد قال عياض : الصحيح الذي عليه [ ص: 95 ] الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط اهـ . نعم ، لا خلاف أنه لم يؤمهم عليه أحد ، فقيل تعبدي وقيل ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه . وقال السهيلي : أخبر الله أنه وملائكته يصلون عليه ، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يصلي عليه ، فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه منه إليه ، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل ، وأيضا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة ، انتهى . وقال الشافعي في الأم : وذلك لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه ، وقيل لعدم اتفاقهم على خليفة ، وقيل لوصيته بذلك .
( فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه ) فيه أنه سنة الغسل عندهم إذ لو كان نزعه وإبقاؤه سواء لذهب إليه بعضهم كموضع الدفن واللحد ، قاله الباجي ( فسمعوا صوتا يقول : لا تنزعوا القميص ، فلم ينزع القميص وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم ) وهذا [ ص: 96 ] أخرجه أبو داود عن عائشة ، وابن ماجه عن بريدة . قال ابن عبد البر : هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه غير بلاغ مالك هذا ، ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك .