552 554 - ( مالك ، عن عبد الله بن عبد الله ) بفتح العين فيهما ، وهذا مما توافق فيه اسم الأب وابنه ( ابن جابر ) ويقال جبر ( ابن عتيك ) بفتح المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية وكاف ، الأنصاري المدني ( عن عتيك بن الحارث ) بن عتيك الأنصاري المدني ( وهو جد ) الراوي عنه ( عبد الله بن عبد الله بن جابر ، أبو أمه ، أنه أخبره أن جابر بن عتيك ) بن قيس الأنصاري ، صحابي جليل ، اختلف في شهوده بدرا ، مات سنة إحدى وستين وهو ابن إحدى وتسعين ( أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت ) بن قيس الأنصاري الأوسي ، ويقال إنه ظفري مات في العهد النبوي . وقال الواقدي وابن الكلبي : هو عبد الله بن عبد الله ، ولأبيه صحبة ، قال الكلبي : كفنه صلى الله عليه وسلم في قميصه ، وعاش الأب إلى خلافة عمر ، وكانا جميعا شهدا أحدا ، وكذا قال الطبري وابن السكن وآخرون ، وقال بعضهم : إنه أخو خزيمة بن ثابت ، قاله في الإصابة ( فوجده قد غلب عليه ) أي غلبه الألم حتى منعه إجابة النبي صلى الله عليه وسلم ( فصاح به ) أي ناداه ( فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي قال : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) تصبيرا لنفسه وإشعارا لها أن الكل لله وراجع إليه ( وقال : غلبنا عليك ) قال الباجي : يحتمل أنه أراد التصريح بمعنى استرجاعه وتأسفه ( يا أبا الربيع ) كنيته رضي الله [ ص: 103 ] عنه وفيه تكنية الرئيس لمن دونه ولم يستكبر عن ذلك من الخلفاء إلا من حرم التقوى ( فصاح النسوة وبكين ) وفيه إباحة البكاء على المريض بالصياح وغيره عند حضور وفاته ( فجعل جابر يسكتهن ) ; لأنه سمع النهي عن البكاء فحمله على عمومه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهن ) يبكين حتى يموت ( فإذا وجب فلا تبكين باكية ) أي لا ترفع صوتها بالبكاء ، أما دمع العين وحزن القلب فالسنة ثابتة بإباحة ذلك في كل وقت ، وعليه جماعة العلماء nindex.php?page=hadith&LINKID=10352507بكى صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وعلى ابنة زينب ابنته ، وقال : هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10352508ومر بجنازة يبكى عليها فانتهرهن عمر فقال : دعهن فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب ، قاله أبو عمر .
( قالوا : يا رسول الله وما الوجوب ؟ ) الذي أردت بقولك فإذا وجب ( قال : إذا مات ) فلا تبكين باكية ، قال الباجي : أشار به ، والله أعلم ، إلى بكاء مخصوص ، وهو ما جرت به العادة من الصياح والدعاء بالويل والثبور .
وفي الحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352509إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم " وأشار إلى لسانه ( فقالت ابنته : والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا فإنك كنت قد قضيت ) أي أتممت ( جهازك ) بفتح الجيم وكسرها ، ما تحتاج إليه في سفرك للغزو والخطاب لأبيها ، قال في الفتح : الجهاز بفتح الجيم وتكسر ، ومنهم من أنكره ، وهو ما يحتاج إليه في السفر ، وقال في النور : بكسر الجيم أفصح من فتحها بل لحن من فتح ، والذي في الصحاح : وأما جهاز العروس والسفر فيفتح ويكسر ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته ) أي على مقدار العمل الذي نواه كما نواه ، فالنية بمعنى المنوي ، ويحتمل أن له من الأجر بقدر ما يجب لنيته ، وهذا أظهر من جهة اللفظ ، والأول أظهر من جهة المعنى ; لأن القصد أن يخبر أن ما نواه لم يفته ، ولو لم يكن له من الأجر إلا بقدر النية لما كان لابنته في ذلك راحة ، قاله الباجي ، وقال ابن عبد البر فيه أن المتجهز للغزو إذا حيل بينه وبينه يكتب له أجر الغزو على قدر نيته ، والآثار بذلك متواترة صحاح ، منها قوله صلى الله عليه وسلم في تبوك : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352510إن بالمدينة قوما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم حبسهم العذر " ، انتهى .
( وما تعدون الشهادة ؟ قالوا : القتل في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) زاد ابن ماجه من حديث أبي هريرة ، ومن وجه آخر من حديث جابر بن عتيك نفسه : أن شهداء أمتي إذن لقليل ( الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله ) وتقدم في باب العتمة والصبح من حديث أبي هريرة : الشهداء خمسة ، فقيل نسي بعض رواتها باقي السبع . قال الحافظ : وهو بعيد لكن يقربه أن مسلما روى من حديث أبي هريرة شاهدا لحديث جابر بن عتيك هذا ، وزاد فيه ونقص ، فمن زيادته : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352514ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم علم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ، ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك ، وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ، وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ذلك ( المطعون ) الميت بالطاعون ( شهيد ) وفي الحديث : " أن nindex.php?page=hadith&LINKID=10352515فناء أمتي بالطعن والطاعون ، قالت عائشة : أما الطعن فقد عرفناه فما الطاعون ؟ قال : غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط " ( والغرق ) بفتح الغين وكسر الراء ، الذي يموت غريقا في الماء ( شهيد ، وصاحب ذات الجنب ) مرض معروف ، وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع ، ويقال هو الشوصة ( شهيد ، والمبطون ) قال ابن عبد البر : قيل هو صاحب الإسهال ، وقيل المحسور ، وقال ابن الأثير : هو الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه . وفي كتاب الجنائز لأبي بكر المروزي عن شيخه شريح أنه صاحب القولنج ( شهيد ، والحرق ) بفتح فكسر ، الميت بحرق النار ( شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجمع ) بضم الجيم وتفتح وتكسر وسكون الميم ، الميتة في النفاس وولدها لم تلده وقد تم خلقه ، وقيل هي التي تموت من الولادة سواء ألقت ولدها أم لا ، وقيل التي تموت عذراء ، والأول أشهر وأكثر كما قال ابن عبد البر والحافظ وزاد : وقيل الميتة بمزدلفة ، وهو خطأ ظاهر ، انتهى . وفي النهاية : الجمع بالضم بمعنى المجموع ، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع منفصل عنها من حمل أو بكارة .
( شهيد ) قال النضر بن شميل : سمي بذلك لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة . وقال ابن الأنباري : لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة ، وقيل لشهوده عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة ، وقيل : لأنه يشهد له بالأمان من النار ، وقيل : لأن عليه [ ص: 105 ] شاهدا بكونه شهيدا ، وقيل : لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة ، وقيل : لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل ، وقيل : لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة ، وقيل : لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع لهم ، وقيل : لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه ، وقيل : لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره ، وقيل : لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة ، وقيل : لأن عليه علامة شاهدة أي حاضرة بأنه قد نجا .
وروى الديلمي من حديث أنس : " صاحب الحمى " وابن منده من حديث علي : " الميت في السجن وقد حبس ظلما " ، والديلمي من حديث ابن عباس . " الميت عشقا " ، والبزار من حديث أبي ذر وأبي هريرة : " الميت وهو طالب للعلم " ، قال الباجي وتبعه ابن التين : هذه ميتات فيها شدة الألم فتفضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم حتى يبلغهم بها مراتب الشهداء . قال الحافظ : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء ، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان عن جابر ، والدارمي وأحمد والطحاوي عن عبد الله بن حبشي ، وابن ماجه عن عمرو بن عنبسة : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352527أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل ؟ [ ص: 106 ] قال : من عقر جواده وأهريق دمه " وروى الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة له بإسناد حسن عن علي قال : " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد " غير أن الشهادة تتفاضل وتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان : شهداء الدنيا والآخرة ، وهو من قتل في حرب الكفار مقبلا غير مدبر مخلصا ، وشهداء الآخرة وهم من ذكر بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا . ولأحمد والنسائي عن العرباض ، وأحمد عن قتيبة بن عبد مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352529يختصم الشهداء والمتوفون على فراشهم في الذين يتوفون زمن الطاعون فيقول : " انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم معهم ، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم " وإذا تقرر ذلك فإطلاق الشهيد على غير المقتول في سبيل الله مجاز ، فيحتج به من يجيز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، والمانع يجيب بأنه من عموم المجاز ، وقد يطلق الشهيد على من قتل في حرب الكفار لكن لا يكون له ذلك في حكم الآخرة لعارض يمنعه كالانهزام وفساد النية ، انتهى . وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك وصححه ابن حبان ، وقال النووي : وهو صحيح باتفاق وإن لم يخرجه الشيخان .