حدثني يحيى عن مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة قال فوجدت فيه بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصدقة في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين ابنة مخاض فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الفحل وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل فما زاد على ذلك من الإبل ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان وفيما فوق ذلك إلى ثلاث مائة ثلاث شياه فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر
598 - ( مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة ) المروي عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه ، والحاكم من طريق سفيان بن حسين ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10354771عن ابن عمر قال : " كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله وقرنه بسيفه حتى قبض ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فذكره " قال الترمذي : حديث حسن . ورواه يونس وغير واحد عن الزهري عن سالم ولم يرفعه ، وإنما رفعه سفيان بن حسين ، قال الحافظ : وهو ضعيف في الزهري ، وقد خالفه من هو أحفظ منه في الزهري فأرسله ، أخرجه الحاكم من طريق يونس عنه وقال : إن فيه تقوية لرواية سفيان بن حسين ; لأنه قال عن ابن شهاب : أقرأنيها سالم فوعيتها على وجهها ، فذكر الحديث ، ولم يقل أن ابن عمر حدثه به ، فتحسين الترمذي له باعتبار شاهده ، وهو حديث أنس عند البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه أن أبا بكر كتب لأنس هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين فذكره بنحوه . وفي رواية لأبي داود : أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال : فوجدت فيه بسم الله الرحمن الرحيم ) ففيه طلب البسملة أول الكتاب ، قال الحافظ : ولم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتداء المراسلات بالحمد ، وقد جمعت كتبه - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة هذا ( كتاب الصدقة ) وللبخاري : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354772هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله ، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعط ( في أربع وعشرين من الإبل فدونها ) الفاء بمعنى أو ( الغنم ) مبتدأ خبره في أربع ، وقدم الخبر لأن الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة ، وإنما تجب بعد وجود النصاب فحسن التقديم ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10354773في كل خمس شاة ) مبتدأ وخبر تعين إخراج الغنم ، فلو أخرج بعيرا عن الأربع وعشرين بعيرا لم يجزه ، وهو قول مالك وأحمد ، وقال الشافعي والجمهور : يجزيه إن وفت قيمته بقيمة أربع شياه ; لأنه لا يجزي عن خمس وعشرين فأولى ما دونها ولأن الأصل أن تجب الزكاة من جنس المال ، وإنما عدل عنه رفقا بالمالك ، فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه ، ويرد بأنه قياس في [ ص: 166 ] معرض النص فهو فاسد الاعتبار على أنه لا دخل له في هذا الباب . نعم ، صحح المالكية إجزاء بعير عن شاة تفي قيمته بقيمتها وإلا لم يجز . قال الباجي : اختلف قول مالك وأبي حنيفة والشافعي في الوقص هل هو مزكى ؟ فالمأخوذ من الصدقة عن الجملة ، وهو ظاهر قوله في أربع وعشرين ، أو المأخوذ إنما هو على ما لزم والزايد وقص لا تجب فيه ولا يؤخذ عنه شيء ، واختار ابن القصار الثاني ، قال ابن زرقون : ودليله في كل خمس شاة ، فإنما جعلها في الخمس ( وفيما فوق ذلك ) من خمس وعشرين ، وإليه ذهب الجمهور ( إلى خمس وثلاثين ابنة ) وفي رواية : بنت ( مخاض ) بفتح الميم والمعجمة الخفيفة وآخره معجمة ، أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها ، والمخاض الحامل ، أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل ، وجاء عن علي أن في خمس وعشرين شاة ، فإذا صارت ستا وعشرين فبنت مخاض ، رواه ابن أبي شيبة وغيره عنه موقوفا ومرفوعا ، وإسناد المرفوع ضعيف . ( فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ) وهو ما دخل في الثالثة فصارت أمه لبونا بوضع الحمل ( ذكر ) وصفه به ، وإن كان ابن لا يكون إلا ذكرا زيادة في البيان ; لأن بعض الحيوان يطلق على ذكره وأنثاه لفظ ابن كابن عرس وابن آوى ، فرفع هذا الاحتمال أو أريد مجرد التأكيد لاختلاف اللفظ كقوله : ( وغرابيب سود ) ( سورة فاطر : الآية 27 ) قاله الباجي ، أو لينبه على نقصه بالذكورة حتى يعدل بنت المخاض ، قاله ابن زرقون ، قال الحافظ : أو لينبه رب المال ليطيب نفسا بالزيادة ، وقيل احترز بذلك عن الخنثى ، وفيه بعد .
( وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون ) والغاية داخلة ، وإن كانت إلى الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها إلا بدليل ; لأن دليله قوله ( وفيما فوق ذلك ) إذ الإشارة لأقرب مذكور ، وهو لخمس وأربعين فعلم أن حكمها حكم ما دونها أو أن ما دونها وقص باللفظ ، وهي وقص بالإجماع فهما وقصان متصلان ، أو أن الأعداد في الغايات تخالف غيرها عرفا ، فلو أباح لغلامه ما بين درهم إلى عشرة فهم منه عرفا إباحة العشرة ، بخلاف : أبحت لك الجلوس بين هذه الدار إلى هذه الأخرى ، فلا يفهم منه إباحة واحدة منهما ، قاله الباجي ، وأولها أولاها واقتصر عليه غيره ( إلى ستين حقة ) بكسر المهملة وشد القاف ، والجمع حقاق بالكسر والتخفيف ( طروقة الفحل ) بفتح الطاء أي مطروقة ، فعولة بمعنى مفعولة كحكومة بمعنى محكومة ، أي بلغت أن يطرقها الفحل ، وفي رواية : الجمل وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ( وفيما فوق ذلك ) وهو إحدى وستون ( إلى خمس وسبعين جذعة ) بفتح الجيم والذال المعجمة ، وهي التي دخلت [ ص: 167 ] في الخامسة سميت بذلك ; لأنها جذعت مقدم أسنانها أي أسقطته ، وهي غاية أسنان الزكاة . ( وفيما فوق ذلك ) وهو ست وسبعون ( إلى تسعين ابنتا لبون وفيما فوق ذلك ) وهو إحدى وتسعون ( إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل ) بالفاء والحاء الذكر ، وفي رواية طروقتا الجمل ( فما زاد على ذلك من الإبل ) بواحدة فصاعدا عند الجمهور ( ففي كل أربعين بنت ) وفي رواية : ابنة ( لبون ، وفي كل خمسين حقة ) فواجب مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة ، وواجب مائة وأربعين بنت لبون وحقتان وهكذا . وقال أبو حنيفة : إذا زادت على عشرين ومائة رجعت إلى فريضة الغنم ، ففي خمس وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون وشاة ، ورد بأن في أبي داود وغيره في كتاب عمر المذكور : فإذا كانت الإبل إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ، فصرح بأن ما زاد على ذلك زكاته بالإبل خاصة ، ومقتضى الحديث أن لا مدخل للغنم بعد الخمس وعشرين في زكاة الإبل ، وبه قال مالك والشافعي والجمهور .
( وفي سائمة الغنم ) أي راعيتها ( إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ) مبتدأ خبره ما قبله ( وفيما فوق ذلك ) وهو إحدى وعشرين ومائة ( إلى مائتين شاتان ) وفي رواية أبي داود والترمذي : فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين ( وفيما فوق ذلك ) من واحدة ( إلى ثلاثمائة ثلاث شياه ) بالكسر جمع ( فما زاد على ذلك ) أي الثلاثمائة ( ففي كل مائة شاة ) ففي أربعمائة أربع وهكذا ، ومقتضاه أن الرابعة لا تجب حتى توفى أربعمائة وهو قول الجمهور ، قالوا : وفائدة ذكر ثلاثمائة لبيان النصاب الذي بعده لكون ما قبله مختلفا ، وقال بعض الكوفيين كالحسن بن صالح ، ورواية عن أحمد : إذا زادت على ثلاثمائة واحدة وجب أربع ، زاد في حديث أنس : فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، ثم لا خلاف في وجوب زكاة السائمة ، واختلف في المعلوفة والعاملة من إبل وبقر فقال مالك والليث : فيها الزكاة رعت أم لا ; لأنها سائمة في صفتها والماشية كلها سائمة ، ومنعها من الرعي لا يمنع تسميتها سائمة ، والحجة قوله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354774ليس فيما دون خمس ذود صدقة " . وأنه أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن أربعين مسنة ، ومن أربعين شاة شاة ، ولم يخص سائمة من غيرها . وقال سائر فقهاء الأمصار وأهل الحديث : لا زكاة فيها . وروي عن جمع من الصحابة لا مخالف لهم منهم ، فعلى [ ص: 168 ] قولهم من له أربع من الإبل سائمة وواحد عامل ، أو تسع وعشرون بقرة راعية وواحدة عاملة ، أو تسع وثلاثون شاة راعية وكبش معلوف في داره لا تجب عليه زكاة ، ولا أعلم من قال بقول مالك والليث من فقهاء الأمصار ، قاله ابن عبد البر ، وقال الباجي : يحتمل أنه عبر بالسائمة ; لأنها عامة الغنم لا تكاد توجد فيها غير سائمة ، ولذا ذكرها في الغنم دون الإبل ، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - نص على السائمة ليكلف المجتهد للاجتهاد في إلحاق المعلوفة بها فيحصل له أجر المجتهدين . ( ولا يخرج ) وفي رواية : ولا يؤخذ ( في الصدقة تيس ) وهو فحل الغنم أو مخصوص بالمعز ; لأنه لا منفعة فيه لدر ولا نسل ، وإنما يؤخذ في الزكاة ما فيه منفعة للنسل ، قاله الباجي .
( ولا هرمة ) بفتح الهاء وكسر الراء ، كبيرة سقطت أسنانها ( ولا ذات عوار ) بفتح المهملة وضمها ، وقيل بالفتح أي معيبة ، وبالضم العور ، واختلف في ضبطها ، فالأكثر على أنه ما ثبت به الرد في البيع ، وقيل : ما يمنع الإجزاء في الضحية ، ويدخل في المعيب المريض والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه ( إلا ما شاء المصدق ) يريد إذا كان ذلك خيرا للمساكين فيأخذ باجتهاده . وقال القاضي أبو الحسن : إن ذا العيب لا يجزي وإن كانت قيمته أكثر من السليمة ، قاله الباجي فقرأه بخفة الصاد وهو الساعي ، وجعل ابن عبد البر التيس من الخيار ; لأنه ينزو ، ورد بأن اشتراط مشيئة المصدق مع اقترانه بالهرمة وذات العوار يدل على أنه من الشرار . وفي حديث أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354775ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق ، قال الحافظ : اختلف في ضبطه فالأكثر أنه بالتشديد أي المالك وتقديره : لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا ولا تيس إلا برضا المالك لاحتياجه إليه ، فأخذه بلا رضاه إضرار به ، فالاستثناء مختص بالثالث ، ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي ، وكأنه أشير إلى التفويض إليه ; لأنه كالوكيل فلا يتصرف بغير مصلحة ، وهذا قول الشافعي في البويطي وهو أشبه بقاعدته في تناول الاستثناء جميع ما قبله . وعن مالك : يلزم المالك أن يشتري شاة مجزية تمسكا بظاهر هذا الحديث ، وفي رواية عنه كالأول ، انتهى .
( ولا يجمع ) بضم أوله وفتح ثالثه ( بين مفترق ) بفاء ففوقية فراء خفيفة ، وفي رواية متفرق بتقديم التاء وشد الراء ( ولا يفرق ) بضم أوله وفتح ثالثه مشددا ( بين مجتمع خشية ) وفي رواية : مخافة ( الصدقة ) ونصب مفعول لأجله تنازع فيه الفعلان ، ويحتمل أن التقدير لا يفعل شيء من ذلك خشية الصدقة فيحصل المراد بلا تنازع ، قاله الدماميني ويأتي معناه قريبا . ( وما كان من خليطين ) تثنية خليط بمعنى مخالط كنديم وجليس بمعنى منادم ومجالس ( فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ) يأتي تفسيره ( وفي الرقة ) بكسر الراء وخفة [ ص: 169 ] القاف الفضة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة ، قيل أصلها الورق فحذفت الواو وعوضت الهاء نحو العدة والوعد ( إذا بلغت خمس أواق ) بالتنوين كجوار ، وهي مائتا درهم ( ربع العشر ) خمسة دراهم وما زاد فبحسابه يجب ربع عشره ، وقال أبو حنيفة : لا شيء فيما زاد عليها حتى تبلغ أربعين درهما فدرهم واحد وكذا في كل أربعين . قال القاضي عياض : اعتمد مالك والعلماء والخلفاء قبلهم على ما في هذا الكتاب ، ولم يرد عن الصحابة إنكار شيء منه وهو الذي طلبه عمر بن عبد العزيز من آل عمر بن الخطاب مع الكتاب الذي كان عند آل عمرو بن حزم ، وهذا يدل على أن الذي كان عند عمر هو الذي كان عند أبي بكر ، إذ لو كان خلافه لطلبه من آل أبي بكر كما طلبه من آل عمر وآل عمرو .