قال يحيى قال مالك في الخليطين إذا كان الراعي واحدا والفحل واحدا والمراح واحدا والدلو واحدا فالرجلان خليطان وإن عرف كل واحد منهما ماله من مال صاحبه قال والذي لا يعرف ماله من مال صاحبه ليس بخليط إنما هو شريك قال مالك ولا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة وتفسير ذلك أنه إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة فصاعدا وللآخر أقل من أربعين شاة كانت الصدقة على الذي له الأربعون شاة ولم تكن على الذي له أقل من ذلك صدقة فإن كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة جمعا في الصدقة ووجبت الصدقة عليهما جميعا فإن كان لأحدهما ألف شاة أو أقل من ذلك مما تجب فيه الصدقة وللآخر أربعون شاة أو أكثر فهما خليطان يترادان الفضل بينهما بالسوية على قدر عدد أموالهما على الألف بحصتها وعلى الأربعين بحصتها قال مالك الخليطان في الإبل بمنزلة الخليطين في الغنم يجتمعان في الصدقة جميعا إذا كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وقال عمر بن الخطاب في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة وقال يحيى قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك قال مالك وقال عمر بن الخطاب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة أنه إنما يعني بذلك أصحاب المواشي قال مالك وتفسير لا يجمع بين مفترق أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة فنهوا عن ذلك وتفسير قوله ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة فنهي عن ذلك فقيل لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة قال مالك فهذا الذي سمعت في ذلك
( قال مالك في الخليطين إذا كان الراعي واحدا والفحل ) ذكر الماشية ( واحدا والمراح ) بضم الميم على الأشهر وتفتح ، مجتمع الماشية للمبيت أو للقائلة ( واحدا والدلو ) آلة الاستقاء ، وقيل : كناية عن المياه ( واحدا فالرجلان خليطان ) فيكونان كمالك واحد بشرط نية الخلط ( وإن عرف كل واحد منهما ماله من مال صاحبه ) الواو للحال لا للمبالغة بدليل قوله : ( قال : والذي ليس يعرف ماله من مال صاحبه ليس بخليط إنما هو شريك ) فقط ، لا خليط خلافا لأبي حنيفة في أن الخليط الشريك واحد ، واعترض بأن الشريك لا يعرف عين ماله لعدم تميزه عن مال شريكه حتى يرجع بحصة ما أخذ منه ، وقد قال في الحديث أنهما يتراجعان بينهما بالسوية ، فلو كان كما قال لم يكن لتراجعهما بالسوية معنى ، اللهم إلا أن يجيب بأن التراجع بحسب الحساب ، ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى : ( وإن كثيرا من الخلطاء ) ( سورة ص : الآية 24 ) وقد بينه قبل ذلك بقوله : ( إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ) ( سورة ص : الآية 23 ) فأفاد أن المراد بالخلطة مطلق الاجتماع لا الشركة . ( ولا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة ) وكل حر مسلم فيزكي على ما اقتضته الخلطة من تخفيف وتثقيل ومساواة ( وتفسير ذلك ) أي بيانه ( إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة فصاعدا والآخر أقل من أربعين شاة ) ولو بواحدة ( كانت الصدقة على الذي له الأربعون شاة ) لملكه النصاب ( ولم تكن على الذي له أقل من ذلك صدقة ) لنقصه عن النصاب ( فإن كان لكل واحد منهما ما يجب فيه [ ص: 176 ] الصدقة جمعا في الصدقة ووجبت الصدقة عليهما جميعا ) بقدر ماليهما ، وأوضح ذلك بالمثال فقال : ( فإن كانت لأحدهما ألف شاة أو أقل من ذلك مما تجب فيه الصدقة ، وللآخر أربعون شاة أو أكثر فهما خليطان يترادان الفضل ) أي الزائد ( بينهما بالسوية على قدر عدد أموالهما على الألف بحصتها وعلى الأربعين بحصتها ) فإذا أخذ الساعي من الألف والأربعين عشرة كان على ذي الألف منها تسعة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354777وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية " لأن الشريكين لا يتصور بينهما تراجع ، وإنما يصح في الخليطين إذا أخذت الفريضة من مال أحدهما ، وقال أبو حنيفة : لا تأثير للخلطة فلا تجب على أحد منهم فيما يملك إلا مثل الواجب عليه لو لم تكن خلطة ، وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة الحديث . وقال ابن عبد البر : لعل الكوفيين لم يبلغهم هذا الحديث أو رأوا أن الأصل حديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354774ليس فيما دون خمس ذود صدقة " . ورأوا أن حكم الخلطة يغاير هذا الأصل فلم يقولوا به .
( قال مالك : الخليطان في الإبل بمنزلة الخليطين في الغنم يجتمعان في الصدقة جميعا ) وكذا الخليطين في البقر ( إذا كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة ) واستدل على ذلك مشيرا للجمع بين الحديثين بقوله : ( و ) دليل ( ذلك ) أي شرط ملك كل نصاب ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354778ليس فيما دون خمس ذود ) بالإضافة والتنوين ( من الإبل صدقة ) فعموم النفي شامل للخليطين ( وقال عمر بن الخطاب ) في كتاب الصدقة ، وتقدم أنه مرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10354779في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة ) تمييز ( شاة ) بالرفع مبتدأ ، فقيد زكاتها ببلوغ النصاب ، وذلك شامل للخليطين فمن لم يكن له نصاب فلا زكاة عليه وإن خالط ( قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك ) ووافقه [ ص: 177 ] على هذا سفيان الثوري وغيره ، وقال الباجي : ومن جهة القياس أن من لا تجب عليه منفردا فلا تجب عليه مخالطا ، أصله إذا كان ذميا ، وقال أبو عمر : أجمعوا على أن المنفرد لا يلزمه زكاة في أقل من نصاب ، واختلفوا في الخليطين ، ولا يجوز نقض أصل مجمع عليه برأي مختلف فيه . وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث : إذا بلغت ماشيتهما النصاب وجبت ، وإن لم يكن لكل نصاب ، وليس ذلك برأي بل لأنه لم يفرق في حديثي الذود والغنم بين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو واحد وغيرهم ، وقد اتفقوا في ثلاثة خلطاء لهم مائة وعشرون شاة لكل أربعين عليهم شاة واحدة فنقصوا المساكين شاتين للخلطة فقياسه : لو كانت أربعون بين ثلاثة وجبت عليهم شاة لخلطتهم ، انتهى ملخصا .
لكن الاتفاق على هذا إنما هو بين القائلين بتأثير الخلطة فلا يعادل القياس على المجمع عليه ، وكونه لم ينص في الحديثين على الفرق بين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو لواحد لا يستلزم ذلك لعوده على الدليل بالإبطال ، إذ يلزم عليه أنه وجب على مالك أقل من نصاب الزكاة ، وذلك خلاف عموم السلب في قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354774ليس فيما دون خمس ذود صدقة " وخلاف الشرط في حديث الغنم ، فقول مالك أرجح واستدلاله أوضح . ( وقال عمر بن الخطاب ) في كتابه المتقدم ، ومر أنه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10354780لا يجمع بين مفترق ) بتقديم الفاء على التاء الفوقية وخفة الراء ، وبتقديم الفوقية على الفاء وشد الراء ، روايتان كما مر . ( ولا يفرق ) بضم أوله وشد ثالثه مفتوحا ( بين مجتمع خشية الصدقة أنه إنما يعني بذلك أصحاب المواشي ) لأنه مقتضى قوله : خشية الصدقة ، قاله أبو عمر لا السعاة ( قال مالك : وتفسير لا يجمع بين مفترق أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة قد وجبت على كل واحد منهم في غنمهم الصدقة فإذا أظلهم ) بظاء معجمة ، أشرف عليهم ( المصدق ) بضم الميم وتخفيف الصاد وكسر الدال ، أي آخذ الصدقة وهو الساعي ( جمعوها لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة ) لأنها واجب مائة وعشرين ( فنهوا عن ذلك ) أي عن تقليل الصدقة ( وتفسير قوله : ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه ، [ ص: 178 ] فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة فنهى عن ذلك ، فقيل : لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية ) وفي رواية : مخافة ( الصدقة ، قال : فهذا الذي سمعت في ) تفسير ( ذلك ) وإليه ذهب سفيان الثوري ، وقال الشافعي : هو لرب المال من جهة وللساعي من جهة ، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة ، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل ، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر ، فمعنى قوله : خشية الصدقة ، أي خشية أن تكثر أو أن تقل ، فلما احتمل الأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر ، فحمل عليهما معا ، قال الحافظ : لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر .