660 658 - ( مالك ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة ) قال الحافظ : هكذا توارد عليه أصحاب الزهري ، وهم أكثر من أربعين نفسا جمعتهم في جزء مفرد ، منهم : ابن عيينة والليث ومنصور ومعمر عند الشيخين ، والأوزاعي وشعيب وإبراهيم بن سعد عند البخاري ، ومالك وابن جريج عند مسلم ، ويحيى بن سعيد وعراك بن مالك عند النسائي ، وعبد الجبار بن عمر عند أبي عوانة ، وعبد الرحمن بن مسافر عند الطحاوي ، وعقيل عند ابن خزيمة ، وابن أبي حفصة عند أحمد ، ويونس وحجاج بن أرطأة وصالح بن [ ص: 253 ] أبي الأخضر عند الدارقطني ، ومحمد بن إسحاق عند البزار ، وخالفهم هشام بن سعد فرواه ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، وجزم البزار وابن خزيمة وأبو عوانة بأن هشام بن سعد أخطأ فيه ، وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن أبي حفصة عند أحمد ، فيحتمل أن يكون الحديث عند الزهري عنهما فقد جمعهما عنه صالح بن أبي الأخضر ، أخرجه الدارقطني في العلل .
وفي رواية ابن جريج وأبي أويس عند الدارقطني التصريح بالتحديث بين حميد وأبي هريرة ( أن رجلا ) هو سلمان ، ويقال فيه : سلمة بن صخر البياضي رواه ابن أبي شيبة وابن الجارود ، وبه جزم عبد الغني ، وتعقب بأن سلمة هو المظاهر في رمضان ، وإنما أتى أهله ليلا رأى خلخالها في القمر ، ولكن رأى ابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على أهله في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو سلمان بن صخر أحد بني بياضة ، قال ابن عبد البر : أظن هذا وهما ؛ لأن المحفوظ أن سلمة أو سلمان إنما كان مظاهرا ، قال الحافظ : ويحتمل أن قوله وقع على امرأته ؛ أي : ليلا بعد أن ظاهر فلا يكون وهما ، ويحتمل وقوع الأمرين له ، قال : وسبب ظنهم أنه المحترق أن ظهاره من امرأته كان في شهر رمضان ، وجامع ليلا كما هو صريح حديثه ، وأما المحترق فأعرابي جامع نهارا فتغايرا ، نعم ؛ اشتركا في قدر الكفارة وفي الإتيان بالتمر ، وفي الإعطاء وفي قول كل منهما : أعلى أفقر منا ، ولكن لا يلزم من ذلك اتحادهما .
( أفطر ) قال الباجي : اختلفت رواة هذا الحديث في لفظه ، فقال أصحاب الموطأ وأكثر الرواة عن مالك : أفطر ، وقال جماعة : جامع ( في رمضان ) ، وقال ابن عبد البر : كذا رواه مالك لم يذكر بماذا أفطر ؟ وتابعه جماعة عن ابن شهاب ، وقال أكثر الرواة عن الزهري : أن رجلا وقع على امرأته في رمضان ، فذكروا ما أفطر به ، فتمسك به أحمد والشافعي ومن وافقهما في أن الكفارة خاصة بالجماع ؛ لأن الذمة برية فلا يثبت شيء فيه إلا بيقين .
وقال مالك وأبو حنيفة وطائفة : عليه الكفارة بتعمد أكل أو شرب ونحوهما أيضا ؛ لأن الصوم شرعا الامتناع من الطعام والجماع ، فإذا ثبت في وجه من ذلك شيء ثبت في نظيره ، والجامع بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا .
وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي في طائفة فقالوا : لا ينتقل عن العتق إلا عند العجز عنه ولا عن الصوم كذلك .
وقال مالك وجماعة : هي على التخيير لظاهر حديث الباب الدال على أن الترتيب في الرواية الثانية ليس بمراد ، ولأنه اقتصر على الإطعام في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما ؛ ولذا قال مالك : الإطعام أفضل ولأنه سنة البدل في الصيام ، ألا ترى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في قضاء رمضان ، حتى دخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام ، فصار الإطعام له مدخل في الصيام ، ونظائره من الأصول فلذا فضله مالك وأصحابه ، انتهى ملخصا .
وما في المدونة عن مالك مما يوهم تعين الإطعام مؤول بأن المراد أفضل .
وقال المازري : ليس في قوله : " هل تستطيع " دلالة على الترتيب لا نصا ولا ظاهرا إنما فيه البداءة بالأول ، وهو يصح على التخيير والترتيب ، فبان من رواية " أو " أن المراد التخيير ، انتهى .
( ثم قال : كله ) ، وفي رواية : " أطعمه أهلك " ، وفي أخرى : " عيالك " ، واحتج به القائل بأن لا تجب الكفارة ، ورد بأنه أباح له تأخيرها إلى وقت اليسر لا أنه أسقطها عنه جملة ، وليس في الحديث نفي استقرارها عليه ، بل فيه دليل لاستقرارها ؛ لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه عن الخصال الثلاث ، ثم أتى صلى الله عليه وسلم بالتمر فأمره بإخراجه في الكفارة ، فلو كانت تسقط بالعجز لم يأمره بذلك ، لكن لما احتاج إلى الإنفاق على عياله في الحال أذن له في أكله وإطعام عياله ، وبقيت الكفارة في ذمته ولم يبين له ذلك ؛ لأن تأخيره البيان إلى وقت الحاجة جائز عند الجمهور .
وقال ابن العربي : كان هذا رخصة لهذا الرجل خاصة ، أما اليوم فلا بد من الكفارة .
وجاء في رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352671كله أنت وأهلك وصم يوما واستغفر الله " ، وقال عياض : قال الزهري هذا خاص بهذا الرجل ، أباح له الأكل من صدقة نفسه لسقوط الكفارة عنه لفقره . وقيل : هو منسوخ ، وقيل : يحتمل أنه أعطاه ليكفر به ويجزيه إذا أعطاه ، ومن لا يلزمه نفقته من أهله ، وقيل : لما عجز من نفقة أهله جاز له إعطاء الكفارة عن نفسه لهم ، وقيل : لما ملكها له وهو محتاج جاز له ولأهله أكلها لحاجتهم ، وقيل : يحتمل أنه لما كان لغيره أن يكفر عنه جاز لغيره أن يتصدق عليه عند الحاجة بتلك الكفارة . وقيل : أطعمه إياه لفقره وأبقى الكفارة عليه حتى يوسر ، هذا ما للعلماء في المسألة .
وقال أحمد والأوزاعي : حكم من لزمته كفارة ولم يجدها السقوط كهذا الرجل ، وفي هذا الحديث أن من جاء مستفتيا فيما فيه الاجتهاد دون الحد أنه لا تعزير عليه ولا عقوبة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه على انتهاك حرمة الشهر ؛ لأن مجيئه واستفتاءه دليل توبته ، ولأنه لو عوقب من جاء مجيئه لم يستفت أحد عن نازلة خوف العقوبة ، بخلاف ما فيه الحد أو قامت بينة على الاعتراف به ، فلا يسقط بالتوبة إلا الحرابة إذا تاب منها قبل القدرة عليه .
وذكر الكرماني أن بعض العلماء استنبط من هذا الحديث أكثر من ألف مسألة .
وأخرجه مسلم من طريق إسحاق بن عيسى ، وأبو داود عن القعنبي كليهما عن مالك .