689 685 - ( مالك عن أبي الزناد ) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصيام جنة ) بضم الجيم وشد النون أي وقاية وسترة ، قيل من المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعفها ، ولذا قيل : إنه لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين ، وقيل : جنة من النار ، وبه جزم ابن عبد البر لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بها ، وقد زاد الترمذي وسعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد : من النار ، ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة : جنة وحصن حصين من النار ، وللنسائي من حديث عثمان بن أبي العاصي جنة كجنة أحدكم من القتال ، وللطبراني عنه : جنة يستجن بها العبد من النار ، وللبيهقي عنه : جنة من عذاب الله ، ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح : الصيام جنة ما لم يخرقها ، زاد الدارمي بالغيبة ، والتفسيران متلازمان لأنه إذا كف نفسه عن المعاصي في الدنيا كان سترا له من النار ، وفي الإكمال : معناه يستر من الآثام أو من النار أو من جميع ذلك ، وبالأخير جزم النووي ، وأشار ابن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره فقال : حسبك لكونه جنة من النار فضلا .
( ولا يجهل ) أي لا يفعل فعل الجهال كصياح وسفه وسخرية ونحو ذلك .
وعن سعيد بن منصور من طريق أبي صالح عن أبي هريرة : " ولا يجادل " ، وهذه الثلاثة ممنوعة مطلقا لكنها تتأكد بالصوم ، ولذا قال القرطبي : لا يفهم من هذا إباحة ذلك في غير الصوم ، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم .
قال الباجي : الجهل ضد العلم يتعدى بغير حرف جر ، والجهل ضد الحلم يتعدى بحرف الجر ، قال الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا
( فإن ) بتخفيف النون وفي رواية : " وإن " بالواو ، ( امرؤ قاتله أو شاتمه ) ، قال عياض : قاتله دافعه ونازعه ويكون بمعنى شاتمه ولاعنه ، وقد جاء القتل بمعنى اللعن ، وفي رواية أبي صالح : فإن سابه أحد أو قاتله ، وفي رواية : فإن سابه أحد أو ماراه يعني جادله ، ولأحمد : فإن شاتمك أحد فقل إني صائم وإن كنت قائما فاجلس ، واستشكل ظاهره بأن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين مع أن الصائم مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك .
وأجاب الباجي بأن المفاعلة هنا للواحد كسافر ، أو المعنى : فإن أراد أن يشاتمه أو يقاتله أو إن وجدت منهما جميعا فليذكر الصوم ولا يستدم ذلك .
وأجاب غيره بأن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها أي أن يتهيأ أحد لقتاله أو مشاتمته .
( فليقل : إني صائم إني صائم ) مرتين تأكيدا للانزجار منه أو ممن يخاطبه .
قال ابن عبد البر : قيل : يقوله بلسانه للمشاتم والمقاتل أي وصومي يمنعني من ذلك ، ومعنى المقاتلة مقاتلته بلسانه ، وقيل : يقوله في نفسه أي فلا سبيل إلى شفاء غيظك ، ولا ينطق بأني صائم لما فيه من الرياء وإطلاع الناس عليه لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر ، ولذا يجزي الله الصائم أجره بغير حساب انتهى .
وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة ، ورجح النووي الأول في الأذكار ، وقال في شرح المهذب : كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما كان حسنا ، ونقل الزركشي : إن ذكرها في الحديث مرتين إشارة لذلك فيقولها بقلبه ليكف نفسه وبلسانه ليكف خصمه ، وقال الروياني : إن كان في رمضان فبلسانه وإلا ففي نفسه
وادعى ابن العربي أن الخلاف في النفل أما الفرض فبلسانه قطعا ، وقال في المصابيح : الظاهر أن هذا القول علة لتأكيد المنع فكأنه يقول لخصمه : إني صائم تحذيرا وتهديدا بالوعيد المتوجه على من انتهك حرمة الصائم ، وتذرع إلى تنقيص أجره بإيقاعه في المشاتمة أو بذكر نفسه تشديد المنع المعلل [ ص: 293 ] بالصوم ، ويكون من إطلاق القول على الكلام النفسي ظاهر كون الصوم جنة أن يقي صاحبه من أن يؤذى كما يقيه أن يؤذي ، والحديث رواه البخاري وأبو داود عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك به ، وتابعه سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم .