699 693 - ( حدثنا زياد عن مالك عن ابن شهاب ) قال ابن عبد البر : هذا غلط وخطأ مفرط لا أدري هل هو من يحيى أم من زياد ؟ ولم يتابعه أحد عليه من رواة الموطأ ، ولا يعرف هذا الحديث لابن شهاب لا من حديث مالك ولا غيره ، وإنما الحديث لجميع رواة الموطأ ، مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلا أن منهم من يصله ( عن nindex.php?page=showalam&ids=16693عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ) ، ومنهم من يرسله فلا يذكر عائشة ، ومنهم من يقطعه فلا يذكر عمرة انتهى .
[ ص: 312 ] وبه يتعقب قول فتح الباري : إنه مرسل عن عمرة في الموطآت كلها ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف ) في العشر الأواخر من رمضان كما في رواية لمسلم ، ولهما عن عائشة : " فكنت أضرب له خباء " ، ( فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه ) وهو الخباء ، ( وجد أخبية ) ثلاثة ، وفي رواية للبخاري : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352800فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب " يعني قبة له وثلاثة للثلاثة ، ( خباء عائشة ) بكسر الخاء المعجمة ثم موحدة ممدود ، أي خيمة من وبر أو صوف على عمودين أو ثلاثة ، ( وخباء حفصة ) ، وفي رواية للبخاري : " فاستأذنته عائشة فأذن لها فسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت " ، وله في أخرى : " فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة فسمعت بها حفصة فضربت قبة لتعتكف معه " ، وهذا يشعر بأنها ضربتها بلا إذن وليس بمراد .
ففي رواية النسائي : ثم استأذنته حفصة فأذن لها ، وظهر من رواية البخاري أن استئذانها كان على لسان عائشة .
( وخباء زينب ) بنت جحش ، وفي رواية للبخاري : " فلما رأته زينب ضربت لها خباء آخر " ، وله في أخرى : " وسمعت بها زينب فضربت قبة أخرى " ، وعند أبي عوانة : " فلما رأته زينب ضربت معهن ، وكانت امرأة غيورا " ، قال الحافظ : ولم أقف في شيء من الطرق على أن زينب استأذنت ، وكأن هذا هو أحد ما بعث على الإنكار الآتي ، ووقع في رواية لمسلم وأبي داود : " فأمرت زينب بخبائها فضرب ، وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائها فضرب " ، وهذا يقتضي تعميم الأزواج وليس بمراد لتفسيرها في الروايات الأخرى بالثلاثة ، وبين ذلك قوله : " أربع قباب " ، وللنسائي إذا هو بأربعة أبنية .
( فلما رآها سأل عنها فقيل له : هذا خباء عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة وزينب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آلبر ) بهمزة استفهام ممدودة وبغير مد والنصب ، مفعول مقدم لقوله : ( تقولون ) أي تظنون ، والقول يطلق على الظن ، قال الأعشى :
أما الرحيل فدون بعد غد فمتى تقول الدار تجمعنا
( بهن ) أي ملتبسا بهن ، وهو المفعول الثاني ليقولون ، والخطاب للحاضرين من الرجال والنساء ، وفي رواية : آلبر يرون ( ثم انصرف فلم يعتكف ) ، وفي رواية لمسلم : فأمر بخبائه فقوض بضم القاف وكسر الواو ثقيلة فضاد معجمة أي نقض .
قال عياض : قال صلى الله عليه وسلم هذا الكلام إنكارا لفعلهن ، وقد كان أذن لبعضهن في ذلك ، وسبب إنكاره أنه خاف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف ، بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه أو لغيرته عليهن فكره [ ص: 313 ] ملازمتهن المسجد مع أنه يجمع الناس وتحضره الأعراب والمنافقون وهن محتاجات إلى الخروج والدخول لما يعرض لهن فيبتذلن بذلك ، أو لأنه رآهن عنده في المسجد وهو في معتكفه فصار كأنه في منزله لحضوره مع أزواجه ، وذهب المهم من مقصود الاعتكاف وهو التخلي عن الأزواج ومتعلقات الدنيا وشبه ذلك ، أو لأنهن ضيقن المسجد بأبنيتهن ، زاد الحافظ : أو لما أذن لعائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة أولا خشي توارد بقية النسوة على ذلك فيضيق المسجد على المصلين . وفي رواية : فترك الاعتكاف ذلك الشهر .
قال ابن عبد البر : أدخل مالك هذا الحديث في قضاء الاعتكاف لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على اعتكاف العشر الأواخر ، فلما رأى تنافس زوجاته في ذلك ، وخشي أن يدخل نياتهن داخلة انصرف ثم وفى لله بما نواه ، وفيه صحة اعتكاف النساء لإذنه صلى الله عليه وسلم لهن ، وإنما منعهن بعد ذلك لعارض ، ولولا ذلك لقطعت بأن اعتكافهن في المساجد لا يجوز ، وفيه أن المسجد شرط للاعتكاف لأن النساء شرع لهن الحجاب في البيوت ، فلو لم يكن المسجد شرطا ما وقع ما ذكر من الإذن والمنع ولاكتفي لهن بالاعتكاف في مساجد بيوتهن .
وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى عن عمرة عن عائشة ، قال الحافظ : وسقط عن عائشة في رواية النسفي والكشميهني وكذا هو في الموطآت كلها .
وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن عبد الله بن يوسف مرسلا ، وجزم بأن البخاري أخرجه عنه موصولا .
وقال الترمذي : رواه مالك وغير واحد عن يحيى مرسلا .
وقال الإسماعيلي : تابع مالكا على إرساله أنس بن عياض وحماد بن زيد على خلاف عنه ، زاد الدارقطني وعبد الوهاب الثقفي قال : ورواه الناس عن يحيى موصولا ، وأخرجه أبو نعيم عن عبيد الله بن نافع عن مالك موصولا انتهى .
ومر التعقب على قوله مرسل في الموطآت كلها ، وكأنه اكتفى بهؤلاء فلم يراجع أبا عمر .
( وسئل مالك عن رجل دخل المسجد لعكوف في العشر الأواخر من رمضان فأقام يوما أو يومين ثم مرض ) مرضا يشق عليه فيه المكث في المسجد ، ( فخرج من المسجد أيجب عليه أن يعتكف [ ص: 314 ] ما بقي من العشر إذا صح أم لا يجب ذلك عليه ؟ وفي أي شهر يعتكف إن وجب ذلك عليه فقال مالك : يقضي ما وجب عليه من عكوف ) بنذره أو الدخول فيه ، ( إذا صح في رمضان وغيره ) ، لكن إن كان في رمضان فبأي وجه أفطر لزمه قضاؤه لأنه صار مع رمضان كالعبادة الواحدة ، وكذا إن وجب صوم الاعتكاف في غير رمضان ، وإن كان صوم الاعتكاف تطوعا فأفطر ناسيا قضى عند مالك في المدونة ، وقال عبد الملك : لا قضاء .
وأما المنذور غير المعين فلا خلاف في وجوب قضائه وبمعين فحكم رمضان فيه على ما مر ، وفي غيره واستغرقه المانع فلا قضاء على ظاهر المذهب ، وإن لم يستغرقه وكان في آخر الاعتكاف بعد التلبس به فظاهر المدونة عليه القضاء ، وقال سحنون : لا قضاء ، قاله الباجي .
واستدل مالك لوجوب القضاء بقوله : ( وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد العكوف في رمضان ثم رجع فلم يعتكف حتى إذا ذهب رمضان اعتكف عشرا من شوال ) ، هو الحديث الذي أسنده أولا صحيحا ، فمن هنا ونحوه يعلم أنه يطلق البلاغ على الصحيح ، ولذا قال الأئمة : بلاغات مالك صحيحة .
( والمتطوع في الاعتكاف والذي عليه الاعتكاف أمرهما واحد فيما يحل لهما ويحرم عليهما ، ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اعتكافه إلا تطوعا ) ، وقد قضاه لما قطعه للعذر فيفيد وجوب قضاء الاعتكاف التطوع لمن قطعه بعد الدخول فيه ، وقول بعضهم إنما قضاه استحبابا لأنه لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال مدفوع ، فعدم النقل لا يستلزم عدم الفعل وقد يتأخرن عن شوال لعذر كحيض .
( قال مالك في المرأة إنها إذا اعتكفت ثم حاضت في اعتكافها أنها ترجع إلى بيتها ) وجوبا لحرمة مكثها في المسجد بالحيض ، ( فإذا طهرت رجعت إلى المسجد أية ساعة طهرت ثم تبني على ما مضى من اعتكافها ) قبل الحيض حتى تتم ما نوت أو نذرت ، ( ومثل ذلك المرأة يجب عليها صيام [ ص: 315 ] شهرين متتابعين ) لكفارة قتل أو فطر في رمضان ، ( فتحيض ثم تطهر فتبني على ما مضى من صيامها ولا تؤخر ذلك ) فإن أخرته استأنفت .