سميت بذلك لعظم قدرها ، أي ذات القدر العظيم لنزول القرآن فيها ولوصفها بأنها ( خير من ألف شهر ) ، ( سورة القدر : الآية 3 ) ، أو لتنزل الملائكة فيها أو لنزول البركة والمغفرة والرحمة فيها ، أو لما يحصل لمن أحياها بالعبادة من القدر الجسيم ، وقيل : القدر هنا التضييق كقوله تعالى : ( ومن قدر عليه رزقه ) ( سورة الطلاق : الآية 7 ) ، ومعنى التضييق إخفاؤها عن العلم بتعيينها أو لضيق الأرض فيها عن الملائكة ، وقيل : القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال المواخي للقضاء ، أي يقدر فيها أحكام السنة لقوله تعالى : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) ( سورة الدخان : الآية 4 ) ، وبه صدر النووي ونسبه للعلماء ، ورواه عبد الرزاق وغيره بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم من المفسرين ، وقال التوربشتي : إنما جاء القدر بسكون الدال وإن كان الشائع في القدر مواخي القضاء فتحها ليعلم أنه لم يرد به ذلك ، وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وإظهاره وتحديده في تلك السنة ليحصل ما يلقى إليهم فيها مقدار بمقدار ، وقال غيره : القدر بسكون الدال ويجوز فتحها مصدر قدر الله الشيء قدرا وقدرا كالنهر والنهر .
701 695 - ( مالك عن يزيد ) بتحتية قبل الزاي ( ابن عبد الله بن الهاد ) بلا ياء بعد الدال عند المحدثين المدني المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة ، ( عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ) تيم قريش المدني المتوفى سنة عشرين ومائة على الصحيح ، ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ) بن عوف ( عن أبي سعيد الخدري ) سعد بن مالك بن سنان ( أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10352806كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط ) بضم الواو والسين جمع " وسطى " ، ويروى بفتح السين مثل : كبر وكبر ، ورواه الباجي بإسكانها جمع " واسط " كبازل وبزل ، قاله الحافظ .
وتعقبه السيوطي بأن الذي في منتقى الباجي وقع في كتابي مقيدا بضم الواو والسين ، ويحتمل أنه جمع " واسط " ، قال في العين : واسط الرحل ما بين قادمته وآخرته ، وقال أبو عبيد : وسط البيوت بسطها إذا نزل وسطها ، واسم الفاعل واسط ، ويقال في جمعه وسط كبازل وبزل .
وأما الوسط بفتح [ ص: 318 ] الواو والسين فيحتمل أنه جمع أوسط وهو جمع وسيط ، كما يقال : كبيرا وأكبرا وأكبر ، ويحتمل أنه اسم لجمع الوقت على التوحيد كوسط الدار ووسط الوقت والشهر ، فإن كان قرئ بفتح الواو والسين فهذا عندي معناه ( من رمضان ) فيه مداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فالاعتكاف فيه سنة لمواظبته عليه ، قال ابن عبد البر : ولعل مراده رمضان لا بقيد وسطه إذ هو لم يداوم عليه .
( فاعتكف عاما ) مصدر عام إذا سبح فالإنسان يعوم في دنياه على الأرض طول حياته فإذا مات غرق فيها أي اعتكف في رمضان في عام ، ( حتى إذا كان ليلة ) بالنصب وضبطه بعضهم بالرفع فاعل " كان " التامة بمعنى ثبت نحوه ، ( إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها ) ، وقوله : ( من صبحها ) رواية يحيى وابن بكير والشافعي ، ورواه القعنبي وابن القاسم وابن وهب وجماعة يخرج فيها ( من اعتكافه ) لم يقولوا من صبحها ، وقد روى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك : من اعتكف أول الشهر أو وسطه خرج إذا غابت الشمس آخر يوم من اعتكافه ، ومن اعتكف من آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد . قاله ابن عبد البر ، وقد استشكل ابن حزم وغيره هذه الرواية بأن ظاهرها أنه خطب أول اليوم الحادي والعشرين فأول ليالي اعتكافه الآخر ليلة اثنين وعشرين فيخالف قوله آخر الحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352807فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين " ، فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين ، ووقوع المطر في ليلة إحدى وعشرين ، وهو الموافق لبقية الطرق ، فكان في هذه الرواية تجوزا أي من الصبح الذي قبلها فنسبة الصبح إليها مجاز .
وحكى المطرز أن العرب قد تجعل ليلة اليوم الآتية بعده ومنه : ( عشية أو ضحاها ) ( سورة النازعات : الآية 46 ) فأضافه إلى العشية وهو قبلها ، ويؤيده أن في رواية للشيخين : فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه وهذا في غاية الإيضاح .
وقال السراج البلقيني : المعنى حتى إذا كان المستقبل من الليالي ليلة إحدى وعشرين ، وقوله : وهي الليلة التي يخرج الضمير يعود على الليلة الماضية ويؤيد هذا أنه ( قال من اعتكف معي ) العشر الوسط ( فليعتكف العشر الأواخر ) لأنه لا يتم ذلك إلا بإدخاله الليلة الأولى .
وجوز الباجي أن الرؤية بمعنى البصر أي رأى علامتها التي أعلمت له بها وهي السجود في الماء والطين ، ( ثم أنسيتها ) بضم الهمزة ، قال القفال : ليس معناه أنه رأى الملائكة والأنوار عيانا ثم نسي في أول ليلة رأى ذلك لأن مثل هذا قل أن ينسى ، وإنما معناه أنه قيل له ليلة القدر ليلة كذا وكذا فنسي كيف قيل له .
وقال أبو حنيفة : إذا سجد على جبهته أو ذقنه أو أنفه أجزأ لخبر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352818أمرت أن أسجد على سبعة آراب " وذكر منها الوجه ، فأي شيء وضع من الوجه أجزأه وليس بشيء لأن هذا الحديث ذكر فيه جمع من الحفاظ الجبهة والأنف ، وأخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك به ، وطرقه كثيرة في الصحيحين وغيرهما ، وقال ابن عبد البر : هذا أصح حديث في الباب .