( ولحله ) بعد أن يرمي ( قبل أن يطوف بالبيت ) طواف الإفاضة ، وفيه أن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم تفعله إلا مرة واحدة في حجة الوداع كما في الصحيحين عن عروة عنها ، ورد بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ، ولا مانع من تكرر الطيب قبل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه ، ومر أن المختار عند الرازي وغيره أنها لا تقتضيه ، وعند ابن الحاجب تقتضيه ، وقال جماعة من المحققين : تقتضيه ظهورا وقد تدل قرينة على عدمه لكن يستفاد من كان المبالغة في إثبات ذلك ، والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطييب لو تكرر منه فعل الإحرام لما علمته من حبه له ، على أن لفظة " كنت " لم تتفق الرواة عليها فرواها مالك وتابعه منصور ، وعند مسلم ويحيى بن سعيد عند النسائي كلاهما عن عبد الرحمن بلفظ " كنت " .
ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بلفظ " طيبت " أخرجه البخاري ، وكذا سائر الطرق ليس فيها " كنت " .
وفيه استحباب التطيب عند إرادة الإحرام ، وجواز استدامته بعده ، وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام ، وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور .
قال عياض : وتأولوا هذا الحديث على أنه طيب لا يبقى له ريح ، أو أنه أذهبه غسل الإحرام ، ويعضد الثاني رواية مسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352891طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما " ، فقد ظهرت علة تطييبه أنها كانت لمباشرة نسائه ، وأن غسله بعده لجماعهن وغسله للإحرام أذهبه لا سيما وقد ذكر أنه كان يتطهر من كل واحدة [ ص: 351 ] قبل معاودته للأخرى ، وأي طيب يبقى بعد اغتسالات كثيرة ، ويكون قولها : ثم أصبح ينضخ طيبا بالخاء المعجمة أي قبل غسله وإحرامه .
وفي مسلم أي والبخاري أن الطيب الذي طيبته به زريرة ، وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده ، وقولها : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم المراد أثره لا جرمه . انتهى بمعناه .
ورد النووي بأنه تأويل مخالف للظاهر بلا دليل عجيب ، فإن عياضا ذكر دليل التأويل كما ترى .
وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس ، وهو مردود بأنا لم نثبتها بالقياس بل بمخالفة فعله لنهيه عن الطيب ، فهذا ظاهر في الخصوصية ، وإنما جعلنا القياس سندا للاستدلال .
وأيد ابن عبد البر التخصيص بأنه لو كان للناس عامة ما جهله عمر وعثمان وابن عمر مع علمهم بالمناسك وغيرها وجلالتهم في الصحابة ، وموضع عطاء من علم المناسك موضعه ، وموضع الزهري من علم الأثر موضعه ، وفيه إباحة الطيب بعد رمي الجمرة والحلق وقبل طواف الإفاضة ، وقاله كافة العلماء إلا أن مالكا كرهه قبل الإفاضة ، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به ، وتابعه ابن عيينة ويحيى بن سعيد عند البخاري ، ومنصور بن زاذان عند مسلم ، وأيوب السختياني والأوزاعي وعبيد الله والليث عند النسائي كلهم عن عبد الرحمن بن القاسم .