فعلى هذا كان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء ، وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك ، وإنما الخلاف في الأفضل انتهى .
وحديث ابن عباس وإن زال به الإشكال لكن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ، ومحمد بن إسحاق الراوي عنه مدلس ، وفيه مقال وإن صرح بالتحديث ، ولذا قال النووي والمنذري : حديث ضعيف كما مر .
وعلى تسليم توثيق خصيف وتلميذه فقد عارضه حديث ابن عمر وأنس في الصحيحين وغيرهما أنه إنما أهل حين استوت به ناقته قائمة .
وقال عياض : ليس من شرطنا الكذب العمد ، فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوا إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل ، وبسط هذا الولي العراقي فقال : إن قلت كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليهم الكذب وإنما يطلق الخطأ .
قلت : الكذب عند أهل السنة : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدا كان أو غلطا أو سهوا والعمد شرط للإثم ، خلافا للمعتزلة في جعله شرطا في صدق اسم الكذب .
فإن قلت : كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة لأن المفهوم منها الذم ، والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد .
قلت : أراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة ، وتشنيعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره .
فإن قلت : يحصل مقصوده بكونه صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد ولا حاجة إلى إنكار كونه أهل أي رفع صوته بالتلبية بعد وصوله إلى البيداء إذ هو غير مناف للإحرام السابق .
قلت : إنما أراد إنكار كون ابتداء الإحرام وقع عند البيداء لا لكونه أهل عندها ، فقوله : ما أهل إلا من عند المسجد إهلالا مخصوصا وهو الذي ابتدأ به الإحرام انتهى .
وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من [ ص: 367 ] دويرة الأهل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم من مسجده مع شرفه المعلوم .
وأخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به ، وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وغيره وحاتم بن إسماعيل عند مسلم كلاهما عن موسى بن عقبة .