وقيل : هي القصد ، قال آخر : لقد سما ابن معمر حين اعتمره ، أي : قصد ، وشرعا : قصد البيت على كيفية خاصة ، قيل : إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام .
776 765 - ( مالك عن سمي ) - بضم السين ، وفتح الميم - ( مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ) بن [ ص: 401 ] الحارث بن هشام ، قال ابن عبد البر : تفرد سمي بهذا الحديث ، واحتاج الناس إليه فيه ، وهو ثقة ثبت حجة ، فرواه عنه مالك ، والسفيانان ، وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح ، ثم أسنده من طريقه ، قال الحافظ : فكأن سهيلا لم يسمعه من أبيه ، وتحقق بذلك تفرد سمي به ، فهو من غرائب الصحيح ، ( عن أبي صالح ) ذكوان ( السمان عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : العمرة إلى العمرة ) ، يحتمل كما قال الباجي ، وتبعه ابن التين : أن إلى بمعنى مع ، كقوله تعالى : من أنصاري إلى الله ( سورة آل عمران : الآية 52 ) ، أي مع العمرة ، ( كفارة لما بينهما ) ، قال ابن عبد البر : من الذنوب الصغائر دون الكبائر ، وذهب بعض علماء عصرنا إلى تعميم ذلك ثم بالغ في الإنكار عليه ، وكأنه يعني : الباجي ، فإنه قال : ما من ألفاظ العموم ، فتقتضي من جهة اللفظ تكفير جميع ما يقع بينهما ، إلا ما خصه الدليل ، واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة ، مع أن اجتناب الكبائر يكفر ، فماذا تكفره العمرة ؟ وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها ، وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد ، فتغايرا من هذه الحيثية ، وظاهر الحديث أن العمرة الأولى هي المكفرة ، لأنها التي وقع الخبر عنها أنها تكفر ، ولكن الظاهر من جهة المعنى أن العمرة الثانية هي المكفرة ، لما قبلها إلى العمرة السابقة ، فإن التكفير قبل وقوع الذنب خلاف الظاهر .
وقال الأبي : الأظهر أنه خرج مخرج الحث على العمرة ، والإكثار منها ، لأنه إذا حمل على غير ذلك يشكل بما إذا اعتمر مرة واحدة ، إذ يلزم عليه أن لا فائدة لها ، لأن فائدتها - وهو التكفير - مشروط بفعلها ثانية ، إلا أن يقال : لم تنحصر فائدة العبادة في تكفير السيئات ، بل يكون فيها ، وفي ثبوت الحسنات ، ورفع الدرجات ، كما ورد في بعض الأحاديث : من فعل كذا ، كتب له كذا كذا حسنة ، ومحيت عنه كذا كذا سيئة ، ورفعت له كذا كذا درجة ، فتكون فائدتها إذا لم تكرر ثبوت الحسنات ، ورفع الدرجات .
وقال شيخنا أبو عبد الله : يعني ابن عرفة : إذا لم تكرر كفر بعض ما وقع بعدها ، لا كله ، والله أعلم بقدر ذلك البعض .
( والحج المبرور ) ، قال ابن عبد البر : قيل : هو الذي لا رياء فيه ، ولا سمعة ، ولا رفث ، ولا فسوق ، ويكون بمال حلال .
وقال الباجي : هو الذي أوقعه صاحبه على البر ، وقيل : هو المقبول ، وعلامته أن يرجع خيرا مما كان ، ولا يعاود المعاصي ، وقيل : الذي لا يخالطه شيء من الإثم ، ورجحه النووي ، وقال القرطبي : الأقوال المذكورة في تفسيره متقاربة ، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ، ووقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل .
ولأحمد ، والحاكم ، عن جابر : " قالوا : يا رسول الله ، ما بر الحج ؟ قال : إطعام الطعام ، وإفشاء السلام " ، قال الحافظ : وفي إسناده ضعف ، ولو صح لكان هو المتعين دون غيره .
وقال الأبي : الأظهر أنه الذي لا معصية بعده ، لقوله في الحديث الآخر : " من حج [ ص: 402 ] هذا البيت ، فلم يرفث ، ولم يفسق " إذ المعنى : حج ، ثم لم يفعل شيئا من ذلك ، ولهذا عطفه بالفاء المشعرة بالتعقيب ، وإذا فسر بذلك كان الحديثان بمعنى واحد ، وتفسير الحديث بالحديث أولى ، ويكون الرجوع بلا ذنب ، كناية عن دخول الجنة مع السابقين .
( ليس له جزاء إلا الجنة ) ، أي لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه ، بل لا بد أن يدخل الجنة .