780 770 [ ص: 408 ] - ( مالك عن نافع ) ، مولى ابن عمر ، ( عن نبيه ) - بضم النون - مصغر ( ابن وهب ) بن عثمان العبدري ، ( أخي بني عبد الدار ) بن قصي ، أي واحد منهم المدني من صغار التابعين ، ومات قبل نافع الراوي عنه سنة ست وعشرين ومائة ، ( أن عمر بن عبيد الله ) - بضم العينين - ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي ، وجده : معمر صحابي ، وهو ابن عم أبي قحافة والد الصديق ، روى عمر ، عن أبان ، وابن عمر ، وجابر ، وعنه عطاء بن أبي رباح ، وعبد الله بن عون ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وكان أحد وجوه قريش ، وأشرافها ، جوادا ، ممدحا ، شجاعا ، مات بدمشق سنة اثنين وثمانين ، ( أرسل ) نبيها الراوي المذكور - كما في رواية لمسلم - ( إلى أبان ) - بفتح الهمزة والموحدة - ( ابن عثمان ) بن عفان الأموي المدني الثقة ، مات سنة خمس ومائة ، ( وأبان يومئذ أمير الحاج ) من جهة عبد الملك ، ( وهما محرمان : إني قد أردت أن أنكح ) - بضم فسكون - أزوج ابني ( طلحة بن عمر ) القرشي التيمي ، وقال بعضهم : الأنصاري ، والأول الصحيح ، ففي مسلم من رواية أيوب ، عن نافع عن نبيه : بعثني عمر بن عبيد الله ، وكان يخطب بنت شيبة على ابنه ( بنت شيبة ) اسمها : أمة الحميد كما ذكره الزبير بن بكار ، وغيره ( ابن جبير ) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري ، وفي رواية أيوب عند مسلم : بنت شيبة بن عثمان ، قال النووي : وزعم أبو داود أنه الصواب ، وإن مالكا ، وهم فيه ، وقال الجمهور : بل قول مالك هو الصواب ، فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي كما حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين ، قال القاضي عياض : ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ ، بل الروايتان صحيحتان إحداهما : حقيقة ، والأخرى مجاز .
( وأردت أن تحضر ) فيه ندب الاستئذان ، لحضور العقد ، ( فأنكر ذلك عليه أبان ) ، فقال : ألا أراه عراقيا جافيا ، كما في رواية لمسلم ، وله في أخرى : أعرابيا ، أي جاهلا بالسنة كالأعراب ، ومعنى رواية القاف : آخذا بمذهب أهل العراق تاركا للسنة .
( وقال : سمعت عثمان بن عفان ) ، يعني : أباه ، وفي تصريحه بسمعت رد على من قال أنه لم يسمع أباه ، فالمثبت مقدم ، ( يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينكح ) - بفتح أوله - أي لا يعقد لنفسه ( المحرم ) بحج أو [ ص: 409 ] عمرة أو بهما ، ( ولا ينكح ) - بضم أوله - أي لا يعقد لغيره بولاية ، ولا وكالة ، وهو بالجزم فيهما على النهي ، كما ذكر الخطابي أنه الرواية الصحيحة .
( ولا يخطب ) ، فيمنع من الخطبة أيضا ، كما هو ظاهر الحديث ، وبه قال الجمهور ، كما في المفهم ، وحمل الشافعية النهي في الخطبة على التنزيه ، وقال الباجي : يحتمل أن يريد به السفارة في النكاح ، ويحتمل أن يريد الخطبة حالة النكاح ، فأما السفارة فيه فممنوعة ، فإن سفر ، وعقد سواه ، أو سفر لنفسه ، وعقد بعد التحلل ، أساء ولم يفسخ ، ولم أر فيه نصا ، انتهى .
وفيه حرمة العقد ، وبه قال الجمهور من الصحابة ، فمن بعدهم ، فلو عقد لم يصح ، ويفسخ أيضا بطلقة عندمالك للاختلاف فيه ، فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطا للفرج ، وقال الشافعي : بلا طلاق ، وقال أبو حنيفة ، والكوفيون : يصح نكاحه ، وإنكاحه ، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ليس نهيا عن نكاح المحرم ، بل هو إخبار عن حاله ، وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع زمانه لعقد النكاح ، ولا يتفرغ له ، وبأن المراد بالنكاح هنا : الوطء ، لا العقد ، فقوله : لا ينكح ، أي لا يطأ ، وتعقب بأن الرواية الصحيحة بالجزم على النهي ، لا على حكاية الحال ، وحمله عليها لا يكون إخبارا عن أمر شرعي ، بل عن قضية يشترك في معرفتها الخاص ، والعام ، وحمل كلام الشارع على الشرعيات التي لا تعلم إلا من جهته أولى .
وأيضا فإن أبان راوي الحديث فهم أن المراد : النهي ، وأنكر على عمر بن عبيد الله ، وأقام عليه الحجة بالحديث ، وحمل النكاح على الوطء ، لا فائدة فيه ، إذ هو أمر مقرر يعلمه كل أحد ، وأيضا ، فهو خلاف فهم راويه ، ولو صح في الجملة الأولى لم يصح في الثانية ، فإن قوله : ولا ينكح ، نهي عن التزويج بلا شك ، وإذا منع من العقد لغيره ، فأولى لنفسه ، ولا حجة لهم في قول ابن عباس : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352980أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم " ، رواه البخاري ، ومسلم ، وأصحاب السنن ، لأن ابن المسيب ، وغيره وهموه في ذلك ، فإنه انفرد به ، وخالفته ميمونة ، وأبو رافع ، فرويا أنه نكحها ، وهو حلال ، وهو أولى بالقبول ، لأن ميمونة هي الزوجة ، وأبو رافع هو السفير بينهما ، فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس ، لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ، ولصغره حينئذ عنهما ، إذ لم يكن في سنهما ، ولا يقرب منه ، فإن لم يكن وهما ، فهو قابل للتأويل بأن معنى وهو محرم : في الحرم ؛ لأن ابن عباس عربي فصيح يتكلم بكلام العرب ، وهم يقولون : أحرم ، وأنجد ، وأتهم إذا دخل الحرم ، ونجدا ، وتهامة ، أو في الشهر الحرام ، كقوله : قتلوا ابن عفان الخليفة محرما .
أي في الشهر الحرام ، فإنه لم يكن محرما بحج ، ولا بعمرة ، أو على مذهبه أن من قلد هديه صار محرما بالتقليد ، فلعل ابن عباس علم بنكاحه بعد أن قلد هديه - صلى الله عليه وسلم - أو أن عقد الإحرام من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - كما هو المعتمد عند المالكية ، والشافعية ، وعلى تقدير الإغضاء عن هذا كله ، فقد تعارض هو وحديث ميمونة ، وأبي رافع ، فسقط الاحتجاج بالخبرين ووجب الرجوع [ ص: 410 ] إلى حديث عثمان ، لأن لا معارض له ، ذكره ابن عبد البر ، وغيره ، ويرجحه أن الصحيح عند أهل الأصول ترجيح القول إذا تعارض هو والفعل ، لقوة القول ، لدلالته بنفسه على الفعل ، فإنما يدل بواسطة القول ، ولتعدي القول إلى الغير ، والفعل يحتمل قصره عليه .
وقد أخرج حديث عثمان هذا مسلم في النكاح ، عن يحيى ، وأبو داود في الحج عن القعنبي كلاهما ، عن مالك به ، ورواه أيضا ، عن النسائي ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان كلهم من طريق مالك به ، وتابعه مطر الوراق ، ويعلى بن حكيم ، وأيوب السختياني كلهم عن نافع عند مسلم وغيره ، وتابع نافعا عليه أيوب بن موسى ، وسعيد بن أبي هلال عن نبيه في مسلم .