793 783 - ( مالك عن ابن شهاب ) محمد بن مسلم الزهري ، ( عن عبيد الله ) - بضم العين - ( ابن عبد الله ) - بفتحها - ( ابن عتبة ) - بضمها - ( ابن مسعود ) الهذلي أحد الفقهاء ، ( عن عبد الله بن عباس ) الحبر الترجمان ، ( عن الصعب بن جثامة ) - بفتح الجيم ، والمثلثة الثقيلة ، فألف ، فميم - ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الليثي ، حليف قريش ، أمه أخت أبي سفيان بن حرب ، واسمها : فاختة ، وقيل : زينب ، ويقال : هو أخو محلم بن جثامة ، وكان الصعب ينزل ودان ، مات في خلافة عثمان على الأصح ، ويقال : في آخر خلافة عمر ويقال : الصديق ، وهو غلط ، فقد روى ابن السكن بإسناد صالح عن راشد بن سعد ، قال : لما فتحت إصطخر ناد مناد : ألا إن الدجال قد خرج ، فقال الصعب بن جثامة : لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352992لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره ، وفتحها في خلافة عمر .
وروى ابن إسحاق عن عروة ، قال : لما ركب أهل العراق في الوليد بن عقبة ، أي يشكونه لعثمان ، كانوا خمسة : منهم : الصعب بن جثامة ، وله أحاديث ، وآخى - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عوف بن مالك ، ثم لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ، وأنه من مسند الصعب ، ووقع في موطأ ابن وهب عن ابن عباس أن الصعب فجعله من مسند ابن عباس ، وكذا أخرجه مسلم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال الحافظ : والمحفوظ في حديث مالك الأول ، يعني أنه من مسند الصعب [ ص: 421 ] بن جثامة ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10352993أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا ) لا خلاف عن مالك أيضا في هذا ، وتابعه معمر ، وابن جريج ، وعبد الرحمن بن الحارث ، وصالح بن كيسان ، والليث بن أبي ذئب ، وشعيب بن أبي حمزة ، ويونس ، ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم ، قالوا : " حمارا وحشيا " كما قال مالك ، وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري ، فقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352994أهديت له من لحم حمار وحش " ، رواه مسلم .
وله عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " رجل حمار وحش " ، وله عن شعبة عن الحكم : " عجز حمار وحش يقطر دما " ، وفي أخرى له : " شق حمار وحش " ، فهذه الروايات صريحة في أنه عقير ، وأنه إنما أهدى بعضه ، لا كله ، ولا معارضة بين رجل ، وعجز ، وشق ، لأنه يحمل على أنه أهدى رجلا معها الفخذ ، وبعض جانب الذبيحة ، فمنهم من رجح رواية مالك ، وموافقيه .
قال الشافعي في الأم : حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار .
وقال الترمذي : روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب ( لحم حمار وحش ) وهو غير محفوظ .
وقال البيهقي : كان ابن عيينة يضطرب فيه ، فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى ، وقد قال ابن جريج : قلت لابن شهاب : الحمار عقير ؟ قال : لا أدري .
ومنهم من جمع بحمل رواية أهدى حمارا على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض ، ويمتنع عكسه ، إذ إطلاق الرجل على كل الحيوان غير معهود ، إذ لا يطلق على زيد أصبع ، ونحوه ، إذ شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم ، كالرقبة على الإنسان والرأس ، فإنه لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل ، والظفر .
وقال القرطبي : يحتمل أن الصعب أحضر الحمار مذبوحا ، ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقدمه له ، فمن قال أهدى حمارا ، أراد بتمامه مذبوحا ، لا حيا ، ومن قال لحم حمار ، أراد ما قدمه للنبي ، صلى الله عليه وسلم .
قال : ويحتمل أنه أحضره له حيا ، فلما رده عليه ذكاه ، وأتاه بعضو منه ظنا منه أنه إنما رده لمعنى يختص بجملته ، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء حكم الكل ، انتهى .
وهذا الجمع قريب ، وفيه إبقاء اللفظ على المتبادر منه الذي ترجم عليه البخاري إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل ، مع أنه لم يقل في الحديث : حيا ، فكأنه فهمه من قوله حمارا .
وفي التمهيد قال إسماعيل : سمعت سليمان بن حرب يتأول الحديث على أنه صيد من أجله - صلى الله عليه وسلم - ويدل عليه قوله : فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك الوقت ، ولولا ذلك لجاز أكله .
قال إسماعيل : وإنما تأول رواية لحم حمار لاحتياجها للتأويل ، فأما رواية حمار وحش فلا تحتاج لتأويل ، لأن المحرم لا يجوز له مسك صيد حيا ، ولا يذكه ، وعلى هذا التأويل تتفق الأحاديث .
( وهو بالأبواء ) - بفتح الهمزة ، وسكون الموحدة ، والمد - جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا ، سمي بذلك لتبوء السيول به لا لما فيه من الوباء ، إذ لو كان كذلك لقيل : الأوباء ، أو هو مقلوب منه .
( أو بودان ) - بفتح الواو ، وشد الدال [ ص: 422 ] المهملة ، فألف ، فنون - موضع قرب الجحفة ، أو قرية جامعة أقرب إلى الجحفة من الأبواء بينهما ثمانية أميال ، والشك من الراوي ، وجزم ابن إسحاق ، وصالح بن كيسان عن الزهري بودان ، وجزم معمر ، وعبد الرحمن بن إسحاق ، ومحمد بن عمرو بالأبواء ، ( فرده عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي رد الحمار على الصعب ، واتفقت الرواية كلها على رده إلا ما رواه ابن وهب ، والبيهقي من طريقه بإسناد حسن عن عمرو بن أمية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352995أن الصعب أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - عجز حمار وحش وهو بالجحفة ، فأكل منه ، وأكل القوم " قال البيهقي : إن كان هذا محفوظا ، فلعله رد الحي ، وقيل : اللحم .
قال الحافظ : وفيه نظر فإن كانت الطرق كلها محفوظة ، فلعله رده حيا ، لكونه صيد لأجله ، ورد اللحم تارة لذلك ، وقيل : تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله .
وقد قال الشافعي : إن كان الصعب أهدى حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمارا وحشيا حيا ، وإن كان أهدى لحما فيحتمل أن يكون علم أنه صيد له .
ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده ظنه أنه صيد من أجله ، فتركه على وجه التنزه ، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على حال رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من مكة ، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك في الجحفة ، وفي غيرها من الروايات بالأبواء ، أو بودان .
( فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما في وجهي ) من الكراهة لما حصل له من الكسر برد هديته قال تطييبا لقلبه : ( إنا ) - بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء - ( لم نرده ) - بفتح الدال - رواه المحدثون ، وقال محققو النحاة : إنه غلط ، والصواب : ضم الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير المذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها ، لخفاء الهاء فكأن ما قبلها ولي الواو ، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموما هذا في المذكر ، أما المؤنث مثل : ردها ، فمفتوح الدال مراعاة للألف ، ذكره عياض وغيره ، وجوز الكسر وهو ضعيف أضعف من الفتح ، وإن أوهم ثعلب فصاحة الفتح ، وقد غلطوه لأنه ذكره في الفصيح ، ولم ينبه على ضعفه ، ( عليك ) لعلة من العلل ( إلا أنا ) - بفتح الهمزة - أي لأجل أنا ، ( حرم ) - بضم الحاء والراء - جمع حرام ، والحرام : المحرم ، أي محرمون ، وتمسك بظاهره من حرم لحم الصيد على المحرم مطلقا صاده المحرم ، أو صاده حل له ، أو لم يقصده به ، وقال به علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - علل رده بأنه محرم ، ولم يقل بأنك صدته لنا ، وهو ظاهر قوله تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ( سورة المائدة ، الآية 96 ) وذهب الجمهور ، والأئمة الثلاثة إلى أن ما صاده حلال لنفسه ، ولم يقصد المحرم يجوز أكله للمحرم بخلاف ما قصد به .
وحملوا حديث [ ص: 423 ] الصعب على أنه قصدهم باصطياده ، لأنه كان عالما بأنه - صلى الله عليه وسلم - يمر به فصاده لأجله ، والآية الكريمة على الاصطياد ، وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المذكورة المبنية للمراد من الآية ، وتعليله - صلى الله عليه وسلم - للصعب بأنه محرم ، لا يمنع كونه صيد له ، ولأنه بين الشرط الذي يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له ، وهو الإحرام ، وقبل حمار البهزي ، وفرقه على الرفاق ، لأنه كان يتكسب بالصيد ، فحمله على عادته في أنه لم يصد لأجله - صلى الله عليه وسلم - وفي معناه حديث أبي قتادة ، ودعوى نسخه لأنه كان عام الحديبية بحديث الصعب ، لأنه كان في حجة الوداع ، إنما يصار إليها إذا تعذر الجمع ، كيف والحديث المتأخر لا دلالة فيه على الحرمة العامة صريحا ، ولا ظاهرا حتى يعارض الأول فينسخه ، هذا على رواية أنه أهدى لحما ، أما على أنه أهداه حيا ، فواضح ، فالإجماع على أنه يحرم على المحرم قبول صيد وهب له وشراؤه واصطياده واستحداث ملكه بوجه من الوجوه ، وأصل الإجماع : الآية ، وحديث الصعب بناء على أنه حي ، وفيه كراهية رد هدية الصديق لما يقع في قلبه ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - طيب نفسه بذكر عذر الرد ، وفيه رد ما لا يجوز - للمهدى - الانتفاع به ، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه كلهم من طريق مالك أيضا .