838 828 - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه : أنه قال : قلت nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة أم المؤمنين ) كما قال تعالى : وأزواجه أمهاتهم ، ( سورة الأحزاب : الآية 6 ) ، وهل يقال لهن أيضا أمهات المؤمنات ؟ قولان مرجحان ، ( وأنا يومئذ حديث السن ) ، أي صغير ، قال ابن الأثير : كناية عن الشباب وأول العمر ، والحديث ضد القديم ، وفيه تقديم عذره في السؤال ، وأن التباسه عليه نشأ من الحداثة ، ( أرأيت قول الله ) ، أي أخبريني عن مفهوم قوله ( تبارك وتعالى : إن الصفا والمروة ) جبلي السعي اللذين يسعى من أحدهما إلى الآخر ، والصفا في الأصل جمع صفاة ، وهي الصخرة ، والحجر الأملس ، والمروة في الأصل حجر أبيض براق ، ( من شعائر الله ) ، أي المعالم التي ندب الله إليها ، وأمر بالقيام عليها ، قاله الأزهري ، وقال الجوهري : الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله .
( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح ) : لا إثم ( عليه أن يطوف ) بشد الطاء أصله يتطوف أبدلت التاء طاء لقرب مخرجه ، وأدغمت التاء في الطاء ، ( بهما ) أي يسعى بينهما ، ( فما على الرجل ) وصف طردي ، والمراد الحاج أو المعتمر ( شيء ) ، وفي رواية القعنبي ، وابن وهب والتنيسي : فما أرى على أحد شيئا - بضم الهمزة أظن - وبفتحها أعتقد ، وفي رواية الزهري عن عروة : " فوالله ما على أحد جناح " ، ( أن لا يطوف بهما ) ، إذ مفهومها أن السعي ليس بواجب لأنها دلت على رفع الجناح ، وهو الإثم عن فاعله ، وذلك يدل على إباحته ، ولو كان واجبا لما قيل فيه ذلك ، لأن رفع الإثم علامة الإباحة ، ويزاد المستحب بإثبات الأجر والوجوب بعقاب التارك .
( فقالت عائشة ) ردا عليه : ( كلا ) ردع له ، وزجر عن اعتقاده ذلك وفهمه من الآية ، وفي رواية الزهري : " بئس ما قلت يا ابن أختي " ، ( لو كان ) الأمر والشأن ( كما تقول ) ، وفي رواية الزهري : كما أولتها عليه ( لكانت ) الآية : ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) ، أي لا جناح في ترك الطواف بهما ، فكانت تدل على رفع [ ص: 473 ] الإثم عن التارك ، وذلك حقيقة المباح ، أما ولفظها بدون لا ، فهي ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة بعدم الإثم عن الفاعل ، وحكمته مطابقة جواب السائلين ، لأنهم توهموا من فعلهم ذلك في الجاهلية أن لا يستمر ذلك في الإسلام ، فجاء الجواب مطابقا لسؤالهم ، وأما الوجوب فمستفاد من أدلة أخر كفعله - صلى الله عليه وسلم - له ومواظبته عليه في كل نسك مع قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353039خذوا عني مناسككم " ، قال المازري : هذا من بديع فقه عائشة ، ومعرفتها بأحكام الألفاظ ؛ لأن الآية إنما اقتضى ظاهرها رفع الحرج من الطائف بينهما ، وليس نصا في سقوط الوجوب ، فأخبرته أن ذلك محتمل ، ولو كان نصا لقال أن لا يطوف ، وقد يكون الفعل واجبا ، ويعتقد إنسان أنه قد يمنع من إيقاعه على صفة كمن عليه الظهر ، فظن أنه لا يشرع له صلاتها عند الغروب ، فسأل فقيل : لا حرج عليك إن صليته ، فالجواب صحيح ، ولا يقتضي نفي وجوب الظهر عليه ، ثم بينت له أن التعبير بنفي الجناح لوروده على سبب فقالت : ( إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار ) بالراء كما عزاه الخطابي لأكثر الروايات ، وأن في بعضها الأنصاب - بالموحدة - بدل الراء ، قال : فإن كان محفوظا فهو جمع نصب ، وهو ما ينصب من الأصنام ليعبد من دون الله ، انتهى .
وقد حكى ابن جرير ، وابن المنذر ، وغيرهما : عن أبي بن كعب ، وابن مسعود ، وابن عباس أنهم قرأوا الآية أن لا يطوف ، وأجاب ابن جرير ، والطحاوي بحملها على القراءة المشهورة ، ولا زائدة ، وقال غيرهما : لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور ، ( كانوا يهلون ) ، أي يحجون قبل أن يسلموا ، ( لمناة ) بفتح الميم ، والنون الخفيفة ، فألف ، ثم تاء مخفوض بالفتحة للعلمية والتأنيث ، سميت بذلك لأن النسائك كانت تمنى ، أي تراق عندها وهي صنم كانت في الجاهلية ، وقال ابن الكلبي : كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل ، فكانوا يعبدونها .
( وكانت مناة حذو ) بفتح المهملة ، وسكون المعجمة - أي مقابل ( قديد ) بضم القاف ، وفتح المهملة بعدها تحتية ، ثم مهملة ، قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه ، قاله أبو عبيد البكري ، وفي رواية سفيان عن الزهري بالمشلل من قديد - بضم الميم ، وفتح المعجمة ، وفتح اللام الأولى - ثنية مشرفة على قديد .
( وكانوا يتحرجون ) - بالمهملة ، والجيم ، أي يتحرزون ، ( أن يطوفوا بين الصفا والمروة ) ، أي يتركون ذلك خشية الحرج ، وهو الإثم مثل قولهم : يتحنث ، ويتأثم ، أي ينفي الحنث والإثم عن نفسه ، والمعنى أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بينهما ، ويقتصرون على الطواف بمناة .
( فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ) ، وفي رواية سفيان ، عن الزهري عند مسلم : وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة .
وله من رواية يونس ، عن الزهري : أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم [ ص: 474 ] وغسان يهلون لمناة ، وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة ، فهذا كله موافق لرواية مالك عن هشام ، وقد تابعه عليها أبو أسامة ، عن هشام بلفظ : إنما أنزل الله هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية ، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، أخرجه مسلم ، وخالفهما أبو معاوية عنده عن هشام ، وخالف جميع الروايات عن الزهري ، فقال : إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر ، يقال : لهما إساف ونائلة ، ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة ، ثم يحلقون ، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون ، فمقتضاه أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئا فعلوه في الجاهلية ؛ لأن الإسلام أبطل أفعالها إلا ما أذن فيه الشارع ، فخشوا أن ذلك مما أبطله ، وجمع الحافظ باحتمال أن الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين : منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته هذه الرواية ، ومنهم من لا يطوف بينهما على ما اقتضاه باقي الروايات ، واشترك الفريقان في الإسلام في التوقف عن الطواف بينهما ، لكونه كان عندهم جميعا من أفعال الجاهلية ، وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي ، إلا أن قوله لصنمين على شط البحر وهم ، فإنهما ما كانا قط على شطه ، وإنما كانا على الصفا والمروة ، وإنما كانت مناة مما يلي جهة البحر ، نبه عليه عياض ، وللنسائي بإسناد قوي ، عن زيد بن حارثة قال : كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما إساف ونائلة ، كان المشركون إذا طافوا يمسحون بهما .
وسقط أيضا من روايته : إهلالهم أولا لمناة ، فكأنهم يهلون لمناة يبدءون بها ، ثم يطوفون بين الصفا والمروة لأجل إساف ونائلة ، فمن ثم تحرجوا عن الطواف بينهما في الإسلام .
ويؤيده حديث الصحيحين عن عاصم : " قلت لأنس : أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة ؟ قال : نعم ، لأنها كانت من شعائر الجاهلية " ، ( فأنزل الله تبارك وتعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ، أعلام مناسكه جمع شعيرة وهي العلامة .
وقد ذهب جماهير العلماء من الصحابة ، والتابعين ومن بعدهم أن السعي ركن لا يصح الحج إلا به ، ولا يجبر بدم ، ولا غيره ، وقال به مالك ، والشافعي ، وأحمد .
وقال أبو حنيفة : هو واجب فإن تركه عصى ، وجبر بالدم ، وصح حجه .
وقال به الحسن البصري ، وقتادة ، وسفيان الثوري .
وقال أنس ، وابن الزبير [ ص: 475 ] ومحمد بن سيرين : إنه تطوع .
قال الطحاوي : لا حجة لمن قال إنه مستحب في قوله تعالى : فمن تطوع خيرا ( سورة البقرة : الآية 184 ) ، لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة ، لا إلى خصوص السعي ، لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع .
وروى الطبراني ، وابن أبي حاتم بإسناد حسن ، عن ابن عباس ، قال : " قالت الأنصار : إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فأنزل الله الآية " ، وروى الفاكهي ، وإسماعيل القاضي بإسناد صحيح ، عن الشعبي ، قال : كان صنم بالصفا يدعى إساف ، ووثن بالمروة يدعى نائلة ، فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما ، فلما جاء الإسلام رمى بهما ، وقال : إنما كان يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم ، فأمسكوا عن السعي بينهما فأنزل الله الآية .
وذكر الواحدي عن ابن عباس نحوه ، وزاد فيه : يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة ، فمسخا حجرين ، فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا .
وفي الحديث : أنه لا بأس بمباحثة الصغير للكبير ، واستنباطه بحضوره من القرآن ، وتعبيره بلفظ : أرأيت ، ولفظ : ما أرى ؛ لأن عائشة لم تنكر شيئا من ذلك .
وأخرجه البخاري في التفسير ، عن عبد الله بن يوسف ، وأبو داود هنا عن القعنبي ، والنسائي من طريق ابن القاسم ، وأبو داود أيضا من طريق ابن وهب ، الأربعة عن مالك به ، وتابعه أبو أسامة ، وأبو معاوية ، عن هشام بنحوه عند مسلم ، وتابعه في شيخه هشام بن شهاب ، عن عروة في الصحيحين ، وغيرهما بنحوه .