( قال مالك : وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك ؛ لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) ( سورة المائدة : الآية 95 ) أي محرمون ، وداخل الحرم ، ولعله ذكر القتل دون الذبح للتعميم ، فشمل ما يؤكل لحمه ، وما لا ، إلا الفواسق ، وما ألحق بها ، ( ومن قتله منكم متعمدا ، فجزاء مثل ما قتل من النعم ) ، ولفظه يشمل الشاة ، وجاءت السنة من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دل عليه الكتاب في العمد ؛ لأن قتل الصيد إتلاف والإتلاف مضمون في العمد والنسيان لكن المتعمد آثم والمخطئ غير ملوم ( يحكم به ) بالجزاء ( ذوا عدل ) رجلان صالحان ، فإن الأنواع تتشابه ، ففي النعامة بدنة ، والفيل بذات سنامين ، وفي حمار الوحش ، وبقرة بقرة ، ( منكم ) : من المسلمين ، ( هديا ) حال من ضمير به ( بالغ الكعبة ) صفة هديا ، والإضافة لفظية ، أي واصلا إليه [ ص: 501 ] بأن يذبح فيه ، ويتصدق به ، ( أو كفارة ) عطف على جزاء ( طعام مساكين ) بدل منه ، أو تقديره هي طعام ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر : ( كفارة ) بلا تنوين ، و ( طعام ) بالخفض على الإضافة ، لأن الكفارة لما تنوعت إلى تكفير بالطعام ، وتكفير بالجزء المماثل ، وتكفير بالصيام حسنت إضافتها لأحد أنواعها تبيينا لذلك ، والإضافة تكون بأدنى ملابسة .
( أو عدل ذلك صياما ) ، أي أو ما ساواه من الصوم ، فيصوم عن طعام كل مسكين يوما ، ( فمما يحكم به في الهدي شاة ) ، لأن النعم اسم للإبل ، والبقر ، والغنم ، ( وقد سماها الله هديا ) بقوله : هديا بالغ الكعبة ( سورة المائدة : الآية 95 ) ، وهذا من بديع الاستنباط والفقه .
( وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا ) بالمدينة ، ( وكيف يشك أحد في ذلك ، وكل شيء ) من الجزاء ( لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير ، أو بقرة ، فالحكم فيه شاة ) ، إذ لا يجوز الحكم عليه بأزيد مما لزمه ، فهي جملة حالية مقوية للاستفهام الإنكاري ، أو التعجبي ، ( وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة ، فهو كفارة من صيام ، أو إطعام مساكين ) ، قال أبو عمر : أحسن مالك في احتجاجه هذا ، وأتى بما لا مزيد لأحد عليه حسنا ، وعليه جمهور العلماء ، وفقهاء الأمصار بالحجاز والعراق .