914 900 [ ص: 540 ] ( مالك عن موسى بن عقبة ) بضم العين وسكون القاف ، المدني ( عن كريب ) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية ، وموحدة ( مولى ابن عباس ) المدني المتوفى سنة ثمان وتسعين ( عن أسامة بن زيد ) قال أبو عمر : كذا رواه الحفاظ الأثبات عن مالك إلا أشهب ، وابن الماجشون ، فقالا عن كريب عن ابن عباس عن أسامة ، والصحيح إسقاط ابن عباس من إسناده ( أنه سمعه يقول : دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة ) ، أي رجع من وقوف عرفة بعرفات ، لأن عرفة اسم لليوم ، وعرفات بلفظ الجمع اسم للموضع ، وحينئذ فيكون المضاف إليه محذوفا ، لكن على مذهب من يقول : إن عرفة اسم للمكان أيضا لا حاجة إلى التقدير ( حتى إذا كان بالشعب ) بكسر المعجمة وإسكان المهملة ، واللام للعهد ، والمراد الذي دون المزدلفة كما في رواية محمد بن أبي حرملة ، عن موسى بن عقبة في الصحيحين : ( نزل فبال ) ولمسلم من طريق محمد بن عقبة عن كريب : لما أتى الشعب الذي ينزله الأمراء ، وله من طريق إبراهيم بن عقبة عن كريب : الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمغرب ، وللفاكهي عن عطاء : الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء الآن المغرب ، والمراد بالخلفاء والأمراء بنو أمية ، كانوا يصلون فيه المغرب قبل دخول وقت العشاء هو خلاف السنة ، وقد أنكره عكرمة فقال : اتخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبالا واتخذتموه مصلى ، رواه الفاكهي ، ولابن المنذر عن جابر : " لا صلاة إلا بجمع " ، وسنده صحيح .
ونقل عن الكوفيين وابن القاسم وجوب الإعادة ، والجمهور على الإجزاء ، وقاله أبو يوسف وأحمد ( فتوضأ ) بماء زمزم ، كما رواه عبد الله بن أحمد في زوائد مسند أبيه بإسناد حسن عن علي ، وفيه رد على من منع استعماله لغير الشرب ( فلم يسبغ الوضوء ) أي خففه ، ففي رواية محمد بن أبي حرملة : فتوضأ وضوءا خفيفا ، وقيل : معناه توضأ مرة مرة ، أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته ، أو المراد اللغوي واستبعد ، وقال ابن عبد البر : أي استنجى به ، وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي ؛ لأنه من الوضاءة وهي النظافة ، ومعنى الإسباغ الإكمال ، أي لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصلاة ، قال : وقد قيل : إنه توضأ وضوءا خفيفا ، لكن الأصول تدفعه لأنه لا يشرع الوضوء لصلاة واحدة مرتين ، وليس ذلك في رواية مالك ، وقيل : معناه لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء ، بل اقتصر على بعضها وهو ضعيف .
وحكى ابن بطال أن عيسى بن دينار سبق أبا عمر إلى ما اختاره ، قال الحافظ : وهو متعقب بهذه الرواية الصريحة ، وقد تابع محمد بن أبي حرملة [ ص: 541 ] عليها محمد بن عقبة أخو موسى عند مسلم بمثل لفظه ، وإبراهيم بن عقبة أخوهما في مسلم أيضا بلفظ : فتوضأ وضوءا ليس بالبالغ .
وفي البخاري عن يحيى بن سعيد ، عن موسى بن عقبة بلفظ : فجعلت أصب عليه ويتوضأ ، ولم يكن عادته - صلى الله عليه وسلم - أن يباشر ذلك منه أحد حال الاستنجاء .
وأما اعتلال ابن عبد البر بأن الوضوء لا يشرع مرتين لصلاة واحدة ، فليس بلازم لاحتمال أنه توضأ ثانيا عن حدث طارئ ، وليس شرط تجديده إلا لمن صلى به فرضا أو نفلا بمتفق عليه ، بل أجازه جماعة ، وإن كان الأصح خلافه ، أو إنما توضأ ، أولا ليستديم الطهارة ، ولا سيما في تلك الحالة ، لكثرة ذكر الله حينئذ ، وخفف الوضوء لقلة الماء .
وقال الخطابي : إنما ترك إسباغه حتى نزل الشعب ليكون مستصحبا للطهارة في طريقه ، وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلي به ، فلما نزل وأرادها أسبغه .
( فقلت له : الصلاة ) بالنصب على الإغراء ، أو بتقدير أتذكر أو تريد ، قال الحافظ : ويؤيده رواية أتصلي ( يا رسول الله ) ؟ ويجوز الرفع على تقدير : حضرت الصلاة مثلا ( قال : الصلاة ) بالرفع على الابتداء ، وخبره ( أمامك ) بفتح الهمزة والنصب على الظرفية أي موضع هذه الصلاة قدامك ، وهو المزدلفة ، فهو من ذكر الحال ، وإرادة المحل ، أو التقدير وقت الصلاة قدامك ، ففيه حذف مضاف ، إذ الصلاة نفسها لا توجد قبل إيجادها ، وإذا وجدت لا تكون أمامه ، أو معنى أمامك : لا تفوتك وستدركها ، وفيه تذكير التابع ما تركه متبوعه ليفعله ، أو يعتذر عنه ، أو يبين له وجه صوابه .
( فركب ) ناقته القصواء ( فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ) بماء زمزم ( فأسبغ الوضوء ) فيه تجديد الوضوء دون فصل بصلاة ، قال الخطابي : وفيه نظر لاحتمال أنه أحدث ( ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ) بالناس قبل حط الرحال كما في رواية .
( ثم أناخ كل إنسان ) منا ( بعيره في منزله ) رفقا بالدواب ، أو للأمن من تشويشهم بها ( ثم أقيمت العشاء ، فصلاها ) بالناس ، وبين مسلم عن إبراهيم بن عقبة عن كريب : أنهم لم يزيدوا بين الوقوف على الإناخة ، ولفظه : فأقام المغرب ، ثم أناخ الناس ، ولم يحلوا حتى أقام العشاء ، فصلوا ، ثم حلوا ، وفيه إشعار بأنه خفف القراءة في الصلاتين ، وأنه لا بأس ، ومعناه اليسير بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما ، ولا يقطع ذلك الجمع وجمع التأخير بمزدلفة ، وهو إجماع ، لكنه عند الشافعية وطائفة بسبب السفر ، وعند الحنفية والمالكية بسبب النسك ، وأغرب الخطابي فقال : لا يجوز أن يصلي الحاج المغرب إذا أفاض من عرفة حتى يبلغ المزدلفة ، ولو أجزأته في غيرها لما أخرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وقتها الموقت لها في سائر الأيام .
( ولم يصل بينهما شيئا ) أي لم يتنفل بينهما لأنه يخل بالجمع ، لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة ، فوجب الولاء [ ص: 542 ] كركعات الصلاة ، ولولا اشتراط الولاء لما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الرواتب .
وظاهر الحديث أنه لم يؤذن لهما لأنه اقتصر على الإقامة ، وبه قال الشافعي في الجديد والثوري وأحمد في رواية ، وفي البخاري والنسائي عن ابن مسعود : أنه أتى المزدلفة فأمر رجلا فأذن ، وأقام ثم صلى المغرب ، ثم أمر فأذن وأقام ، ثم صلى العشاء ركعتين ، فذكر الحديث وقال في آخره : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ، ففيه مشروعية الأذان والإقامة لهما ، وبه أخذ مالك ، واختاره البخاري .
قال ابن عبد البر : ولا أعلم في ذلك حديثا مرفوعا . وقال ابن حزم : لو ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقلت به .
وتعقب ذلك الحافظ العراقي في شرح الترمذي بأن قول ابن مسعود : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله إن أراد به جميع ما ذكره في الحديث ، فهو مرفوع ، وإن أراد به كون العشاءين في هذا الوقت ؛ فيكون ذكر الأذانين والإقامتين موقوفا عليه وهو الظاهر .
وروى ابن عبد البر : أن أحمد بن خالد كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود ، وهو من رواية الكوفيين ، مع كونه موقوفا عليه ، ومع كونه لم يروه ، ويترك ما روي عن أهل المدينة ، وهو مرفوع .
قال ابن عبد البر : وأنا أعجب من الكوفيين حيث أخذوا برواية أهل المدينة ، وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة ، وتركوا قول ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدا .
وأجاب الحافظ بأن مالكا اعتمد صنيع عمر في ذلك ، وإن كان لم يروه في الموطأ فقد رواه الطحاوي بإسناد صحيح عنه ، ثم أوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم ولا يخفى تكلفه ولو تأتى له ذلك في حق عمر ، لكونه الإمام الذي يقيم للناس حجهم ، ، لم يتأت له في حق ابن مسعود لأنه إنما كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذنهم .
واختار الطحاوي حديث جابر في مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين ، وهذا قول الشافعي في القديم وابن الماجشون ورواية عن أحمد .
وجاء عن ابن عمر كل واحدة من هذه الصفات الثلاثة ، أخرجه الطحاوي وغيره ، وكأنه رآه من الأمر المخير فيه ، وعنه صفة رابعة : الإقامة لهما مرة واحدة ، رواه مسلم وأبو داود والنسائي ، وخامسة : الأذان والإقامة مرة واحدة ، رواه النسائي ، وسادسة : ترك الأذان والإقامة فيهما ، رواه ابن حزم ، انتهى ملخصا .
فلله در مالك ما أدق نظره ، لما اختلفت الروايات عن ابن عمر لم يأخذ به ، وأخذ بما جاء عن عمر وابن مسعود لاعتضاده كما قال ابن عبد البر : من جهة النظر ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سن في الصلاتين بعرفة والمزدلفة أن الوقت لهما جميعا وقت واحد ، وإذا كان كذلك ، وكانت كل واحدة تصلى في وقتها لم تكن واحدة أولى بالأذان والإقامة من الأخرى ، لأنه ليس واحدة منهما فائتة تقضى ، وإنما هي صلاة تصلى في وقتها ، وكل صلاة صليت في وقتها فسنتها أن يؤذن لها وتقام في الجماعة وهذا بين ، انتهى .
وهذا الحديث رواه البخاري في الوضوء ، وأبو داود عن القعنبي ، والبخاري [ ص: 543 ] أيضا هنا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى ، الثلاثة عن مالك به ، وتابعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى في الصحيحين .