918 903 - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ) مرسل وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود وابن عمر : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة الرباعية بمنى ) ، زاد في رواية لمسلم عن ابن عمر : وعرفة ( ركعتين ) قصرا ( وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين ) في خلافته ( وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين ، وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين ) وفائدة ذكر الخلفاء مع قيام الحجة بالفعل النبوي وحده أن هذا الحكم لم ينسخ ، إذ لو نسخ ما فعله الخلفاء بعده ( شطر ) أي نصف ( إمارته ) بكسر الهمزة ، أي خلافته ، وفي مسلم عن ابن عمر وعثمان : ثمان سنين ، أو ست سنين بالشك ، وتبين من رواية الموطأ أن الصحيح ست ، لأن خلافته كانت ثنتى عشرة سنة ( ثم أتمها بعد ) بالبناء على الضم ، لأن القصر والإتمام جائزان للمسافر ، فرأى عثمان ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة .
وفي الصحيح عن ابن شهاب : قلت لعروة : ما بال عائشة تتم ؟ قال : تأولت كما تأول عثمان .
وهذا فيه رد [ ص: 545 ] على من زعم أن عثمان إنما أتم لأنه تأهل بمكة ، أو لأنه أمير المؤمنين ، فكل موضع له دار ، أو لعزمه على الإقامة بمكة ، أو لأنه استجد له أرضا بمنى ، أو لأنه كان سبق الناس إلى مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة ، وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ، ويرد الأول أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر بزوجاته وقصر ، والثاني : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أولى بذلك ، والثالث : أن الإقامة بمكة على المهاجر حرام ، والرابع والخامس : لم ينقلا فلا يكفي الظن في ذلك .
والأول وإن نقل ، وأخرجه أحمد ، والبيهقي عن عثمان ، وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر عليه الناس ، فقال : إني تأهلت بمكة لما قدمت ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353138من تأهل ببلد فإنه يصلي صلاة مقيم " فهذا حديث لا يصح لأنه منقطع ، وفي رواته من لا يحتج به ، ويرده قول عروة : إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا ، فدل على وهاء ذلك الخبر ، ثم ظهر لي أنه يمكن أن مراد عروة التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأول عثمان ، وتكاثرت بخلاف تأويل عائشة ، والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا ، وأما من أقام في مكان أثناء سفره ، فله حكم المقيم فيتم ، لما رواه أحمد بإسناد حسن ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال : لما قدم معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ، ثم انصرف إلى دار الندوة ، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان ، فقالا : لقد عبت أمر ابن عمك ؛ لأنه كان قد أتم الصلاة ، قال : وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر أربعا ، والعصر والعشاء أربعا أربعا ، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة ، فإذا فرغ من الحج ، وقام بمنى أتم الصلاة .
وقال ابن بطال : الصحيح أن عثمان وعائشة رأيا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر على أمته ، فأخذا أنفسهما بالشدة ، ورجحه جماعة من آخرهم القرطبي ، لكن ما قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب .
وروى الطحاوي وغيره عن الزهري ، قال : إنما صلى عثمان أربعا ، لأن الأعراب كثروا في ذلك العام ، فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع .
وله عن ابن جريج أن أعرابيا ناداه بمنى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليهما منذ رأيتكم عام أول ركعتين ، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام ، ولا يعارض الوجه الأول الذي اخترته ، بل يقويه من حيث إن حالة الإقامة في أثناء السفر قريب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر ، وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان .
قاله الحافظ واستدل مالك بهذا الحديث على أن الحجاج يقصرون الصلاة بمنى وعرفة ، ولو كانوا من أهل مكة وبمكة ، ولو كانوا من أهل منى وعرفة ، وإنما يمتنع أن يقصر أهل مكة بها أو أهل منى بها أو عرفة بها لقصرهم مع النبي ، صلى الله عليه وسلم .
قال [ ص: 546 ] عياض : ولأن في تكرار مشاعر الحج ، ومناسكه مقدار المسافة التي يجوز فيها قصر الصلاة عند الجميع ، وقال الأكثر : إنما يجوز القصر لغير أهل مكة ومنى وعرفة ، لأنهم مقيمون أو في سفر قصير .
وقال بعض المالكية : لو لم يجز القصر لأهل مكة بمنى ، لقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم : أتموا ، وليس بين منى ومكة مسافة قصر ، فدل على أن القصر للنسك .
على أنه قد يدعى أن حديث عمران لو صح من أدلتنا ، إذ قوله ذلك لأهل مكة فيها دون قوله لهم لما حجوا معه بمنى وعرفة ، دليل على أنهم يقصرون في ذلك كما فهمه أسلم وابن المسيب كما ذكره بقوله .