959 942 - ( مالك عن ابن شهاب ) محمد بن مسلم ، وللنسائي من طريق يحيى القطان عن مالك : حدثني الزهري ( عن عيسى بن طلحة ) بن عبيد الله القرشي التيمي المدني أبي محمد ، ثقة فاضل ، مات سنة مائة ، وأبوه طلحة أحد العشرة .
وفي رواية ابن جريج عند مسلم وصالح بن كيسان عند البخاري ، كلاهما عن ابن شهاب قال : حدثني عيسى بن طلحة ( عن عبد الله بن عمرو ) بفتح العين ( ابن العاصي ) بالياء وحذفها ، والإثبات أصح ، وفي رواية ابن جريج : حدثني عبد الله ، وللبخاري عنه : أن عبد الله حدثه ، وكذا في رواية صالح أن [ ص: 587 ] عبد الله حدثه : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353186 ( أنه قال : وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) على ناقته كما في رواية صالح عند البخاري ، ويونس عند مسلم بلفظ : على راحلته ، ومعمر عند أحمد والنسائي ، كلهم عن ابن شهاب ، فرواية يحيى القطان عن مالك : جلس في حجة الوداع ، فقام رجل محمول على أنه ركب ناقته ، وجلس عليها ( للناس بمنى ) زاد التنيسي والنيسابوري وغيرهما : في حجة الوداع ، وفي رواية : وقف عند الجمرة ، وأخرى : فخطب يوم النحر ، قال عياض : جمع بعضهم بأنه موقف واحد ، ومعنى خطب أي علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة ، قال : ويحتمل أن ذلك في موطنين : أحدهما على راحلته عند الجمرة ، ولم يقل في هذا خطب .
والثاني : يوم النحر بعد صلاة الظهر ، وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم ، وصوب النووي هذا الثاني .
قال الحافظ : فإن قيل : لا فرق بين الاحتمالين ، فإنه ليس في شيء من طريق حديث ابن عمرو وابن عباس بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار ، قلنا : نعم ، لم يقع التصريح بذلك ، لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال : رميت بعدما أمسيت ، فدل على أن القصة كانت بعد الزوال لإطلاق المساء على ما بعده فكأن السائل علم أن السنة رمي الجمرة ضحى ، فلما أخرها إلى الزوال سأل عنه على أن حديث ابن عمرو مخرجه واحد ، لا يعرف إلا من طريق الزهري ، ولا خلاف فيه بين أصحابه غايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر ، واجتمع من مرويهم ، ومروي ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال ، وهو على راحلته يخطب عند الجمرة ، فإذا تقرر ذلك تعين أنها الخطبة المشروعة لتعلم بقية المناسك ، فليس قوله خطب مجازا عن مجرد التعليم بل هي حقيقية ، ولا يلزم من وقوعه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها ، ففي البخاري وغيره عن ابن عمر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353187أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات ، فذكر خطبته " فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ، ورجع إلى منى ، انتهى .
وقال الأبي : ترجم البخاري الفتيا على الدابة عند الجمرة ، فهو يدل على أنها لم تكن خطبة .
( والناس يسألونه ) وفي رواية : فجعلوا يسألونه ، وأخرى فطفق ناس يسألونه ( فجاءه رجل ) قال الحافظ : لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ، ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة ، وكانوا جماعة ، لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره : كان الأعراب يسألونه ، فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم ( فقال له : يا رسول الله لم أشعر ) بضم العين ، أي أفطن ، يقال : شعرت بالشيء شعورا إذا فطنت له ، وقيل : الشعور : العلم ، ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور ، وبينه يونس عند مسلم بلفظ : لم أشعر أن الرمي قبل الحلق ( فحلقت ) شعر رأسي ( قبل أن أنحر ) وفي رواية : قبل أن أذبح ، والفاء سببية ، جعل الحلق مسببا عن عدم [ ص: 588 ] الشعور كأنه يعتذر لتقصيره ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : انحر ) وفي رواية : اذبح ( ولا حرج ) قال عياض : ليس أمرا بالإعادة ، وإنما هو إباحة لما فعل ، لأنه سأل عن أمر فرغ منه ، فالمعنى : افعل ذلك متى شئت ، ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي ، وفي رفع الإثم عن الساهي ، وأما العامد ، فالأصل أن تارك السنة عمدا لا يأثم إلا أن يتهاون ، فيأثم للتهاون لا للترك .
( ثم جاءه آخر فقال : يا رسول الله لم أشعر ) : أفطن ، أو أعلم ، زاد يونس : أن الرمي قبل النحر ( فنحرت ) الهدي ( قبل أن أرمي ) الجمرة ( قال : ارم ولا حرج ) أي لا ضيق عليك في ذلك ، زاد في رواية ابن جريج في الصحيحين : وأشباه ذلك ، وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم : " وقال آخر : أفضت إلى البيت قبل أن أرمي ، قال : ارم ولا حرج " ، وفي رواية معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي ، فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء : الحلق قبل الذبح ، والنحر قبل الرمي ، والحلق قبل الرمي ، والإفاضة قبل الرمي ، والأوليان في حديث ابن عباس أيضا في الصحيح ، وللدارقطني من حديثه أيضا السؤال عن الحلق قبل الرمي ، وكذا في حديث جابر ، وأبي سعيد عند الطحاوي ، وفي حديث علي عند أحمد : السؤال عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي : والسؤال عن الرمي والإفاضة معا قبل الحلق ، وفي حديث جابر عند ابن حبان وغيره : السؤال عن الإفاضة قبل الذبح ، وفي حديث أسامة بن شريك : السؤال عن السعي قبل الطواف ، وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم ، ثم طاف طواف الإفاضة ، فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف ، أي الركن ، فهذا ما تحذر من مجموع الأحاديث ، وبقي عدة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارا ، وإما لأنها لم تقع ، وبلغت بالتقسيم أربعا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها ، وهي رمي جمرة العقبة ، ثم نحر الهدي أو ذبحه ، ثم الحلق ، أو التقصير ثم طواف الإفاضة .
وذلك أبو حنيفة إلى أن الترتيب واجب ، وعليه الدم في كل المخالفة ، وتأول : لا حرج على نفي الإثم ، لأنه فعل على الجهل لا [ ص: 589 ] القصد فأسقط الحرج ، وعذرهم لعدم العلم بدليل قول السائل : لم أشعر .
وذهب الجمهور والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله ( قال ) عبد الله بن عمرو : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10353189فما سئل رسول الله ) زاد في رواية : يومئذ ( عن شيء قدم ، ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج ) عليك ، فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم ، لأن اسم الضيق يشمل ذلك ، قال الطحاوي : لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيا أو جاهلا أي كالسائلين ، قال : وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية ، وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ، ولو وجبت لبينه - صلى الله عليه وسلم - حينئذ وقت الحاجة ، فلا يجوز تأخيره .
قال الطبري : ولم يسقط النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرج ، وقد أجزأ الفعل ، إذ لو لم يجز لأمره بالإعادة ، لأن الجهل والنسيان لا يضعان الحكم اللازم في الحج ، كما لو ترك الرمي ونحوه ، فلا يأثم بتركه جاهلا أو ناسيا ، لكن تجب عليه الإعادة ، قال : والعجب ممن يحمل قوله : ولا حرج ، على نفي الإثم فقط ، ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض ، فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم ، فليكن في الجميع ، وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج - كذا قال - وجوابه : إن مالكا خص من العلوم تقديم الحلق على الرمي ، فأوجب فيه الفدية لعلة أخرى ، وهي إلقاء التفث قبل فعل شيء من التحلل ، وقد أوجب الله ورسوله الفدية على المريض ، أو من برأسه أذى إذا حلق قبل محل الحلق ، مع جواز ذلك له لضرورته ، فكيف بالجاهل والناسي ؟ وخص منه أيضا تقديم الإفاضة على الرمي لئلا يكون وسيلة إلى النساء والصيد قبل الرمي ، ولأنه خلاف الواقع منه - صلى الله عليه وسلم - وقد قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353039خذوا عني مناسككم " ولم يثبت عنده زيادة ذلك في حديث الباب ، فلا يلزمه زيادة غيره ، وهو أثبت الناس في ابن شهاب ، ومحل قبول زيادة الثقة ما لم يكن من لم يزدها أوثق منه ابن أبي حفصة الذي روى ذلك عن ابن شهاب ، وإن كان صدوقا ، وروى له الشيخان ، لكنه يخطئ بل ضعفه النسائي ، واختلف قول ابن معين في تضعيفه ، وكان يحيى بن سعيد يتكلم فيه ، وقال أحمد في رواية : إن كان ناسيا أو جاهلا ، فلا شيء عليه ، وإن كان عالما ، فلا لقوله : لم أشعر .
وأجيب بأن الترتيب لو وجب لما سقط بالسهو ، كالترتيب بين السعي والطواف ، إذ لو سعى قبله وجبت إعادة السعي ، لكن قال ابن دقيق العيد : ما قاله أحمد قوي ، لأن الدليل دل على وجوب اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في الحج لقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353039خذوا عني مناسككم " ، وهذه الأحاديث المرخصة قد قرنت بقول السائل : لم أشعر ، فيختص الحكم بهذه الحالة ، وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج ، وأيضا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أنه معتبر لم يجز طرحه ، ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة ، وقد علق به الحكم ، فلا يمكن طرحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه ، والتمسك بقوله : فما سئل . . . إلخ ، لإشعاره بأن الترتيب مطلقا غير مراعى جوابه ، إن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه [ ص: 590 ] وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل ، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين ، فلا يبقى فيه حجة في حالة العمد ، انتهى .
وفيه وجوب اتباع أفعاله ، لأن الذين خالفوه لما علموا سألوا عن حكم ذلك وجواز سؤال العالم واقفا وراكبا ، ولا يعارضه ما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والحديث في الطريق ، لأن الوقوف بمنى لا يعد من الطرق ، لأنه موقف عبادة وذكر ووقت - حاجة إلى التعلم خوف الفوات - إما بالزمان أو المكان ، وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل ، وهنا عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك ، وتابعه جماعة عن ابن شهاب به في الصحيحين ، وغيرهما .