990 974 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن عمر ) بضم العين كما رواه الأكثر [ ص: 31 ] ليحيى ، وقوم : عمرو بفتح العين ، وللشافعي : عن ابن كثير ولم يسمه وهما أخوان وعمر بالضم أجل وأشهر وهو الذي في الموطأ ، وليس لعمرو بالفتح إلا عند من صحفه قاله ابن عبد البر ( ابن كثير ) بمثلثة ( ابن أفلح ) بالفاء والحاء المهملة المدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره ، وهو تابعي صغير ، وذكره ابن حبان في أتباع التابعين ( عن أبي محمد ) نافع بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة معروف باسمه وكنيته المدني الأقرع الثقة ( مولى أبي قتادة ) حقيقة كما جزم النسائي والعجلي وغيرهما ، وجزم ابن حبان وغيره بأنه قيل له ذلك للزومه وكان مولى عقيلة الغفارية ( عن أبي قتادة ) الحارث أو النعمان أو عمرو ( بن ربعي ) بكسر الراء وسكون الموحدة فمهملة الأنصاري السلمي بفتحتين المدني شهد أحدا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرا ، ومات سنة أربع وخمسين على الأصح الأشهر ( أنه قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين ) بمهملة ونون واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال في سنة ثمان عقب فتح مكة ( فلما التقينا ) مع المشركين ( كانت للمسلمين جولة ) بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاط وتقدم وتأخر ، وعبر بذلك احترازا عن لفظ هزيمة ، ولم تكن هذه الجولة في الجيش كله بل ثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وطائفة معه أكثر ما قيل فيهم مائة ، وقد نقلوا الإجماع على أنه لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - الانهزام ، ولم يرو قط أنه انهزم في موطن ، بل الأحاديث الصحيحة بإقدامه وثباته في جميع المواطن لا سيما يوم حنين فإنه جعل يركض بغلته نحو الكفار ويقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353252أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .
ثم نزل عن البغلة واستنصر ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فقال : شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا منهزمين ثم تراجع إليه من ولى من المسلمين .
( قال ) أبو قتادة : ( فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ) أي ظهر عليه وأشرف على قتله وصرعه وجلس عليه ليقتله قال الحافظ : لم أقف على اسمهما ( قال : فاستدرت له ) من الاستدارة ويروى فاستدبرت من الاستدبار ( حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف ) وفي رواية الليث عن يحيى بن سعيد عند البخاري : " نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني " قال الحافظ : يختله بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية أي يريد أخذه على غرة ، وعرف منه أن ضمير [ ص: 32 ] ضربته لهذا الثاني الذي يريد أن يختل المسلم ( على حبل عاتقه ) بفتح المهملة وسكون الموحدة عرق أو عصب عند موضع الرداء من العنق بين العنق والمنكب ، وعرف أن قوله في رواية الليث فأضرب يده فقطعتها أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف ، زاد التنيسي : فقطعت الدرع أي التي كان لابسها وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها ( فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ) أي شدة كشدته ويحتمل قاربت الموت وفيه إشعار بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا ( ثم أدركه الموت فأرسلني ) أي أطلقني ( قال : فلقيت عمر ) فيه حذف بينه رواية الليث فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر ( بن الخطاب فقلت : ما بال الناس ) قد ولوا ؟ ( فقال : أمر الله ) أي حكم الله وما قضى به أو أراد ما حال الناس بعد التولي ، فقال : أمر الله غالب والعاقبة للمتقين .
( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قتل قتيلا ) أوقع القتيل على المقتول باعتبار ما آل إليه كقوله تعالى : ( إني أراني أعصر خمرا ) ( سورة يوسف : الآية 36 ) ( له عليه بينة فله سلبه ) بفتح المهملة واللام وموحدة ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور .
وعن أحمد : لا تدخل الدابة .
وعن الشافعي : يختص بأداة الحرب .
واتفق الجمهور على أنه لا يقبل قول مدعيه بلا بينة تشهد له أنه قتله لمفهوم قوله له عليه بينة .
وعن الأوزاعي : يقبل بلا بينة لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاه لأبي قتادة بلا بينة وفيه نظر ، ففي مغازي الواقدي أن أوس بن خولي شهد له ، وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه القاتل بطريق من الطرق ، ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا شاهد واحد يكتفى به .
( قال ) أبو قتادة : ( فقمت ثم قلت من يشهد لي ) بقتل ذلك الرجل ( ثم جلست ثم قال ) النبي - صلى الله عليه وسلم - ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10353255من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، قال : فقمت ثم قلت : من يشهد لي ثم جلست ثم قال ) النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 33 ] ( ذلك ) القول المرة ( الثالثة فقمت nindex.php?page=hadith&LINKID=10353256فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما لك يا أبا قتادة ؟ ) تقوم وتقعد ( قال : فاقتصصت عليه القصة ) وفي حديث أنس عند أحمد قال أبو قتادة : " إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه " ( فقال رجل من القوم ) وفي رواية الليث من جلسائه ، قال الحافظ : لم أقف على اسمه ، وذكر الواقدي أن اسمه أسود بن خزاعي وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي ( صدق يا رسول الله ) أبو قتادة ( وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه ) بهمزة قطع وكسر الهاء ( منه يا رسول الله ، فقال أبو بكر الصديق : لا هاء الله ) بالألفين بهمزة قطع على المشهور في الرواية ، وروي أيضا بلام بعد الهاء من غير إظهار شيء من الألفين ، ويجوز إظهار ألف واحدة بلا همزة نحو : التقت حلقتا البطان وحذف الألف وثبوت همزة القطع ، وفيه الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه ولم يسمع إلا مع الله فلا يقال لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن .
وقال أبو حاتم السجستاني : العرب تقول هاء الله بالهمز ، القياس تركه .
وقال الداودي روي يرفع الله أي يأتي الله ، وقال غيره : إن ثبت الرفع رواية فها للتنبيه والله مبتدأ ولا يعمد خبره ، ولا يخفى تكلفه ، وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره وهو قسم أي لا والله ( إذا ) بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة كما في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما ، وقال الخطابي : هكذا يرويه المحدثون ، وإنما هو في كلام العرب لاها الله ذا والهاء بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا .
ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي عن المازني قول الرواة لاها الله إذا خطأ والصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمي .
وقال أبو زيد ليس في كلامهم إذا وإنما هو ذا وهي صلة في الكلام لا والله هذا ما أقسم به ، وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن لفظ إذا خطأ وإنما هو ذا .
وقال أبو البقاء : يمكن توجيه الرواية بأن التقدير لا والله لا يعطى إذا ويكون لا يعمد . . . إلخ ، تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه .
وقال الطيبي : الرواية صحيحة والمعنى صحيح كقولك لمن قال لك افعل كذا : والله إذا لا أفعل ، فالتقدير والله إذ لا يعمد . . . إلخ
ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء في قول الحماسي :
إذا لقام بنصري معشر خشن
.
في جواب قوله :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
وقال القرطبي في المفهم : الرواية صواب فالهاء عوض عن واو القسم لأن العرب تقول [ ص: 34 ] في القسم آلله لأفعلن بمد الهمزة وقصرها ، فكأنهم عوضوا من الهمزة هاء فقالوا ها الله لتقارب مخرجيهما ولذا قالوا بالمد والقصر ، وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من أحدهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما تقول : أألله ، والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول ألله .
وأما إذا فهي بلا شك حرف جزاء وتعليل مثل nindex.php?page=hadith&LINKID=10353257قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال : " أينقص الرطب إذا جف ؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذا " فلو قال فلا والله إذا لساوى ما هنا من كل وجه لكنه لم يحتج للقسم فتركه ، فقد وضح تقدير الكلام ومناسبته من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا سيما من جعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالمقسم به ، وليس هذا قياسا فيطرد ولا فصيحا فيحمل عليه كلام الفصيح ، ولا مرويا برواية ثابتة ، وما وجد للعذري والعبدري في مسلم أنه لاها الله ذا فإصلاح ممن اغتر بكلام النحاة والحق أحق أن يتبع وقال أبو جعفر الغرناطي ممن أدركناه : استرسل جماعة من القدماء إلى أن اتهموا الأثبات بالتصحيف فقالوا الصواب ذا باسم الإشارة ، ويا عجبا من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلات ، وجوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم الإشارة كما قال ابن مالك ، وأما جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط ولا يصح وإنما هو جواب شرط مقدور دل عليه قوله صدق فأرضه ، فكأن أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد فيعطيك حقه فالجزاء صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك وهذا واضح لا تكلف فيه انتهى .
وأخرج أحمد في الزهد عن مالك بن دينار أنه قال للحسن : يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه ، قال : لا هاء الله إذا لا ألبس مثل عباءتك هذه .
وفي تهذيب الكمال في ترجمة ابن أبي عتيق أنه دخل على عائشة في مرضها فقال : كيف أصبحت جعلني الله فداك ؟ قالت : أصبحت ذاهبة ، قال : فلا إذا وكان فيه دعابة .
وروى الفاكهي عن سفيان : لقيت ليطة بن [ ص: 35 ] الفرزدق فقلت : أسمعت هذا الحديث من أبيك ؟ قال : إي ها الله إذا سمعت أبي يقول .
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كمالها أفلا أعود لها ؟ قال : بلى ها الله إذا .
انتهى ما اقتطفته من فتح الباري فقد أطال النفس في ذلك جزاه الله خيرا .
ثم أراد بيان السبب في ذلك ( لا يعمد ) بالتحتية وكسر الميم أي لا يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إلى أسد ) بفتحتين أي إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة ( من أسد الله ) بضم الهمزة والسين ( يقاتل عن الله ورسوله ) أي صدور قتاله عن رضا الله ورسوله أي بسببهما كقوله تعالى : ( وما فعلته عن أمري ) ( سورة الكهف : الآية 82 ) أو المعنى : يقاتل ذبا عن دين الله إعلاء لكلمة الله ناصرا لأولياء الله ، أو يقاتل لنصر دين الله وشريعة رسوله لتكون كلمة الله هي العليا .
( فيعطيك سلبه ) أي سلب قتيله الذي قتله بغير طيب نفسه ، فأضافه إليه باعتبار أنه ملكه ، قال الحافظ : ضبط للأكثر بالتحتية في يعمد ويعطي ، وضبطه النووي بالنون فيهما انتهى .
وعبارة النووي ضبطوهما بالياء والنون وكلاهما ظاهر .
( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدق ) أبو بكر ( فأعطه ) بهمزة قطع أمر للذي اعترف بأن السلب عنده ( إياه ) أي السلب ، وفي هذه منقبة جليلة لأبي قتادة حيث سماه الصديق من أسد الله وصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فأعطانيه فبعت الدرع ) بكسر الدال وراء وعين مهملتين ، ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق فضة ( فاشتريت به مخرفا ) بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا سمي به لأنه يخترف منه الثمر أي يجتنى ، وإما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها قاله الحافظ ، وظاهر قوله ويجوز أن الرواية بالأول فقط ولا كذلك قال النووي : مخرف بفتح الميم والراء على المشهور ، وقال عياض : رويناه بفتح الميم والراء على المشهور ، وقال عياض : رويناه بفتح الميم وكسر الراء كالمسجد أي البستان ، وقيل السكة من النخل يكون صفين يخترف من أيها شاء أن يجتني ، وقال ابن وهب : هي الجنينة الصغيرة ، وقال غيره : هي نخلات يسيرة انتهى .
وفي رواية الليث خرافا بكسر أوله وهو الثمر الذي يخترف أي يجتنى وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال : بستان خراف .
وذكر الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الوديين ( في بني سلمة ) بكسر اللام بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة ( فإنه لأول مال تأثلته ) بفوقية فألف فمثلثة أي اقتنيته وأصلته وأثلة كل شيء أصله ( في الإسلام ) وفي رواية ابن إسحاق : أول مال اعتقدته أي جعلته عقدة والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه ، قال الحافظ أبو عبد الله الحميدي [ ص: 36 ] الأندلسي : سمعت بعض أهل العلم يقول عند ذكر هذا الحديث : لو لم يكن من الصديق إلا هذا فإنه لثاقب علمه وشدة صرامته وقوة إنصافه وصحة تحقيقه بادر إلى القول الحق فزجر وأفتى وأمضى وأخبر في الشريعة عنه - صلى الله عليه وسلم - بحضرته وبين يديه بما صدقه فيه وأجراه على قوله ، وهذا من خصائصه الكبرى إلى ما لا يحصى من فضائله الأخرى انتهى .
وقال أبو ثور وابن المنذر : ولو كان امرأة ، وهذا الحديث أخرجه البخاري هنا ، وفي البيع عن القعنبي وفي المغازي عن التنيسي ومسلم من طريق ابن وهب ثلاثتهم عن مالك به ، وتابعه الليث بن سعد في الصحيحين وهشيم عند مسلم كلاهما عن يحيى بن سعيد .