بضم المعجمة واللام أي الخيانة في المغنم ، سمي بذلك لأن آخذه يغله أي يخفيه في متاعه وأجمعوا على أنه من الكبائر وفي قوله تعالى : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) ( سورة آل عمران : الآية 161 ) وعيد عظيم .
994 978 - ( مالك عن عبد الرحمن بن سعيد ) بن قيس الأنصاري ، الثقة المأمون أخو يحيى بن سعيد ، روى عنه جماعة من الأئمة ومات سنة تسع وثلاثين وقيل سنة إحدى وأربعين ومائة ، له في الموطأ مرفوعا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها ( عن عمرو ) بفتح العين ( بن شعيب ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق مات سنة ثماني عشرة ومائة ، قال ابن عبد البر : لا خلاف عن مالك في إرساله ووصله النسائي قال الحافظ بإسناد حسن من [ ص: 43 ] طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وأخرجه النسائي أيضا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صدر ) رجع ( من حنين وهو يريد الجعرانة ) بكسر الجيم وسكون العين وخفة الراء وبكسر العين وشد الراء والأولى أفصح ( سأله الناس ) وزاد في الطريق الموصولة فقالوا : اقسم علينا فيئنا ( حتى دنت به ناقته من شجرة ) أي سمرة بفتح الميم من شجر البادية ذات شوك ، ففي الصحيح عن جبير بن مطعم : أنه بينما هو يسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مقفلة من حنين فعلقت الناس الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة ( فتشبكت بردائه ) أي علق شوكها به ( حتى نزعته عن ظهره ) وفي حديث جبير : فخطفت رداءه وهو مجاز والمراد خطفته الأعراب ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) زاد النسائي : يا أيها الناس ( ردوا علي ردائي ) وفي حديث جبير فوقف وقال : أعطوني ردائي يعني خلصوه من الشجرة وأعطوه لي ، وإن كانوا خطفوه فالرد بلا تخليص ( أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء ) رد ( الله عليكم ) من الغنيمة ، وأصل الفيء الرد والرجوع ، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئا لرجوعه من جانب إلى جانب ، فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طار عليه .
( والذي نفسي بيده ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها وهو قسم كان يقسم به كثيرا ( لو أفاء ) بالهمز ولا يجوز الإبدال ( الله عليكم مثل سمر ) بفتح الميم شجر ( تهامة ) جمع سمرة بالتاء شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب قاله ابن التين ، وقال الداودي : هي العضاه بكسر المهملة وفتح المعجمة الخفيفة آخره هاء وصلا ووقفا شجر الشوك كطلح وعوسج وسدر ، وقال الخطابي : ورق السمرة أثبت وظلها أكثف ويقال هي شجرة الطلح ، وللنسائي : " لو أن لكم بعدد شجر تهامة " وفي حديث جبير : " لو كان لي عدد هذه العضاه " ( نعما ) بفتحتين والنصب على التمييز ( لقسمته عليكم ) وفي رواية بينكم ( ثم لا تجدوني ) بنون واحدة ، وفي رواية : تجدونني بنونين ( بخيلا ولا جبانا ولا كذابا ) أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا جبن ولا ذا كذب ، فالمراد نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة التي دل عليها الثلاثة ; لأن كذابا من صيغ المبالغة ، و جبانا صفة مشبهة ، وبخيلا محتمل الأمرين ، قال ابن المنير : وفي [ ص: 44 ] جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين لطيفة لأنها متلازمة ، وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة ، وأصل المعنى هنا الشجاعة ، فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل ، وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد لأن الخلف إنما ينشأ من البخل ، وقوله : " لو كان لي عدد هذه العضاه " تنبيه بطريق الأولى لأنه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى ، واستعمال ثم هنا ليس مخالفا لمقتضاها وإن كان الكرم يتقدم العطاء ، لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء ، وليس المراد بثم الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف كأنه قال : وأعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم ، فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك انتهى .
وفيه ذم الخصال المذكورة وأن الإمام لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها ، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب ، وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك ، ولا يكون من الفخر المذموم ورضى السائل بالحق للوعد إذا تحقق من الواعد التنجيز ، وأن الخيار للإمام في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك .
( فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) عن ناقته ( قام في الناس : فقال أدوا الخياط ) بكسر المعجمة وتحتية بزنة لحاف أي الخيط بدليل رواية الخائط وأعد الخيوط المعروفة وإن احتمل الخياط الإبرة لكن يدفعه قوله : ( والمخيط ) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الياء فإنه الإبرة بلا خلاف ، وهذا خرج على التقليل ليكون ما فوقه أولى بالدخول في معناه ( فإن الغلول عار ) شيء يلزم منه شين أو سبة في الدنيا ( ونار ) يوم القيامة ( وشنار ) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء أقبح العيب والعار ( على أهله يوم القيامة ) قال ابن عبد البر : الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار ومعناها الشين والنار يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة .
( قال : ثم تناول من الأرض وبرة ) بفتح الموحدة والراء شعرة ( من بعير أو شيئا ) شك الراوي ، وللنسائي : " ثم مال إلى راحلته فأخذ منها وبرة فوضعها بين إصبعيه " ( ثم قال : والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه ) الوبرة ( إلا الخمس ) فإنه لي أعمل فيه برأيي ( والخمس مردود عليكم ) باجتهادي لأن الأربعة الأخماس مقسومة على المقاتلين : الشريف والمشروف والرفيع والوضيع والغني [ ص: 45 ] والفقير والسواء ، لا مدخل فيها للاجتهاد بالاتفاق المتلقى لكن اختلف في سهم الفارس كما تقدم .