يعني زيادة على ما سبق ، فإن هذه الترجمة مرت بلفظها أول كتاب الجهاد لكن أحاديثهما متغايرة فلا تكرار ، وإن كان يمكن جعل جميع الأحاديث ترجمة واحدة .
[ ص: 62 ] 1011 994 - ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) زيد بن سهل الأنصاري ( عن ) عمه ( أنس بن مالك قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب إلى قباء ) بضم القاف والمد والصرف مذكر وبالقصر والتأنيث ومنع الصرف ( يدخل على أم حرام ) بحاء وراء مهملتين مفتوحتين ( بنت ملحان ) بكسر الميم وإسكان اللام ومهملة فألف فنون واسمه مالك بن خالد بن زيد بن حرام بفتح المهملتين الأنصارية خالة أنس ، قال أبو عمر : لم أقف لها على اسم صحيح ، قال في الإصابة : ويقال إنها nindex.php?page=showalam&ids=11088الرميصا بالراء nindex.php?page=showalam&ids=11088والغميصا بالغين المعجمة ولا يصح ، بل الصحيح أن ذلك وصف لأختها أم سليم ثبت ذلك في حديثين لأنس وجابر عند النسائي .
( فتطعمه ) مما في بيتها من الطعام ( وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ) أي كانت زوجة له حينئذ في الزمن النبوي هذا ظاهره . وللبخاري من وجه آخر التصريح عن أنس أن عبادة تزوجها بعد وجمع ابن التين بأنها كانت إذ ذاك زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك ، والحافظ يحمل رواية إسحاق على أنها جملة معترضة أراد وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال ، وظهر من رواية غيره أنه إنما تزوجها بعد وهذا أولى لاتفاق محمد بن يحيى بن حبان وعبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة الأنصاري كلاهما عن أنس عند البخاري على أن عبادة تزوجها بعد ذلك ، قال : ثم ظاهر رواية إسحاق أن الحديث من مسند أنس ، وكذا هو ظاهر قول أبي طوالة عن أنس : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353300دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بنت ملحان " وأما محمد بن يحيى فقال عن أنس عن خالته أم حرام وهو ظاهر في أنه من مسند أم حرام وهو المعتمد وكأن أنسا لم يحضر ذلك فحمله عن خالته ( فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطعمته ) لم يوقف على تعيين ما أكل عندها يومئذ ( وجلست تفلي ) بفتح الفوقية وإسكان الفاء وكسر اللام من فلى يفلي كضرب يضرب أي تفتش ( في ) شعر ( رأسه ) لإخراج الهوام أو للتنظيف ، واختلف هل كان فيه قمل ولا يؤذيه أو لم يكن فيه أصلا وإنما تفلي ثوبه للتنظيف من نحو الغبار ، وإنما كان يدخل عليها ويمكنها من التفلية لأنها ذات محرم منه لأنها خالة أبيه أو جده عبد المطلب لأن أمه من بني النجار ، وقال ابن وهب : كانت إحدى خالاته من الرضاعة .
قال ابن عبد البر : فأي ذلك كان فهي محرم له ، على أنه معصوم ليس كغيره ، ولا يقاس به سواه انتهى .
وحكى النووي الاتفاق على أنها [ ص: 63 ] محرم ، وصحح الحافظ الدمياطي أن لا محرمية بينهما في جزء أفرده لذلك وقال : ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها ، فلعل ذلك كان مع ولد أو زوج أو خادم أو تابع ، والعادة تقضي المحافظة بين المخدوم وأهل الخادم لا سيما إذا كن مسنات مع ما ثبت له - صلى الله عليه وسلم - من العصمة وقيل : هو من خصائصه وإليه أومأ ابن عبد البر قال في الفتح : والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها لمكان عصمته ، وإن نازع في ذلك القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال ، قال : وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية ( فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ) أي في يوم وفي رواية فقال بالقاف أي نام وقت القائلة ( ثم استيقظ وهو يضحك ) سرورا بكون أمته تبقى بعده مظهرة أمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر والجملة حالية .
( قالت ) أم حرام ( فقلت ما يضحكك ؟ ) بلفظ المضارع ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10353301قال : ناس من أمتي عرضوا علي ) بشد الياء حال كونهم ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10353302غزاة في سبيل الله يركبون ثبج ) بفتح المثلثة والموحدة والجيم ( هذا ) بمعنى ذلك ( البحر ) أي وسطه أو معظمه أو هو له أقوال ، ولمسلم : يركبون ظهر البحر أي السفن التي تجري على ظهره ، ولما كان غالب جريها إنما يكون في وسطه قيل المراد وسطه وإلا فلا اختصاص له بالركوب ، زاد في رواية للبخاري الأخضر فقيل المراد الأسود ، وقال الكرماني : الأخضر صفة لازمة للبحر لا مخصصة إذ كل البحار خضر ، فإن قيل الماء بسيط لا لون له ، قلت تتوهم الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه ( ملوكا ) نصب بنزع الخافض أي مثل ملوك كذا قيل ، والظاهر أنه حال ثانية من ناس بالتقدير المذكور ( على الأسرة ) جمع سرير كسرر بضمتين ( أو مثل الملوك على الأسرة - يشك ) بالمضارع ( إسحاق - ) شيخ مالك في اللفظ الذي قاله أنس ، قال أبو عمر : رأى - صلى الله عليه وسلم - صفتهم في الجنة كما قال تعالى : ( على سرر متقابلين ) ( سورة الصافات : الآية 44 ) وقال النووي : الأصح أنه صفتهم في الدنيا أي أنهم يركبون مراكب الملوك لسعة مالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم .
قال الحافظ : والإتيان بالتمثيل في معظم طرق الحديث يدل على أنه رأى ما يئول إليه أمرهم لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة أو موضع التشبيه أنهم فيما هم فيه من النعيم الذي أثيبوا به على جهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم ، والتشبيه بالمحسوس أبلغ في نفس السامع .
وأجاب ابن المنير بأن المدعو به قصدا إنما هو نيل الدرجة الرفيعة المعدة للشهداء ، وأما قتل الكافر للمسلم فليس بمقصود للداعي وإنما هو من ضرورات الوجود لأن الله أجرى حكمه أن لا ينال تلك الدرجة إلا شهيد ، فاغتفر لحصول المصلحة العظمى من دفع الكفار وإذلالهم وقهرهم بقصد قتلهم حصول ما يقع في ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين ، وجاز تمني الشهادة لما بذل عليه من وقعت له في إعلاء كلمة الله حتى بذل نفسه في تحصيل ذلك .
وقول ابن التين : ليس في الحديث تمني الشهادة إنما فيه تمني الغزو مردود بأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو .
( قال ) أنس ( فركبت ) أم حرام ( البحر ) مع زوجها عبادة ( في زمان ) غزو ( معاوية بن أبي سفيان ) صخر بن حرب في خلافة عثمان سنة ثمان وعشرين وكان معاوية أمير الجيش من جهة عثمان على غزاة قبرس وهي أول غزوة كانت إلى الروم ، هذا قول أكثر العلماء وأهل السير .
وتعقبه ابن المنير وابن التين بما حاصله : أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص ، إذ لا خلاف أن قوله مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد بعد ذلك لم يدخل في العموم اتفاقا ، فدل على أن المراد : مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم ، واحتمال أن يزيد لم يحضر مع الجيش مردود إلا أن يراد : لم يباشر القتال فيمكن لأنه كان أميرا على ذلك الجيش اتفاقا من قبل أبيه ، وكان فيه أبو أيوب فمات فدفن عند باب مدينة قيصر سنة اثنين وخمسين ، وفيه جواز ركوب البحر الملح ، وذكر مالك أن عمر بن الخطاب منع منه فلما مات استأذن معاوية عثمان فأذن له في ركوبه فلم يزل يركب إلى أيام عمر بن عبد العزيز فمنع من ركوبه ثم ركب بعده إلى الآن .
قال ابن عبد البر : وإنما منع العمران ركوبه في التجارة وطلب الدنيا أما في الجهاد والحج فلا ، وقد أباحت السنة ركوبه للجهاد ، فالحج المفترض أولى .
قال : وأكثر العلماء يجيزون ركوبه في طلب الحلال إذا تعذر البر ، ولا خلاف بينهم في حرمة ركوبه عند ارتجاجه ، وكره مالك ركوب النساء البحر لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال وعكسه إذ يعسر الاحتراز من ذلك ، وخصه أصحابه بالسفن الصغار ، أما الكبار التي يمكن فيها الاستتار بأماكن تخصهم فلا حرج وفيه مشروعية القائلة لما فيها من الإعانة على قيام الليل ، وعلم من أعلام النبوة وهو الإخبار بما سيقع فوقع كما قال - صلى الله عليه وسلم - وفضل شهيد البحر .