- ( مالك أن أحسن ما سمع في الخيل ) جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه أو مفرده خائل سميت بذلك لاختيالها في المشية ، ويكفي في شرفها أن الله أقسم بها في قوله تعالى : والعاديات ضبحا [ سورة العاديات : الآية 1 ] ( والبغال ) جمع كثرة لبغل وجمع القلة [ ص: 140 ] أبغال والأنثى بغلة بالهاء والجمع بغلات مثل سجدة وسجدات .
( والحمير ) جمع حمار ويجمع أيضا على حمر وأحمرة والأنثى أتان ، وحمارة بالهاء نادر ( أنها لا تؤكل ) تحريما على مشهور المذهب والصحيح عن أبي حنيفة ، وقول المفهم - مذهب مالك كراهة الخيل - ضعيف ، إلا أن تحمل على التحريم ( لأن الله تبارك وتعالى قال و ) خلق ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) مفعول له .
وثانيها : عطف البغال والحمير على الخيل دال على اشتراكها معهما في حكم [ ص: 141 ] التحريم فيحتاج من أفرد الحكم ما عطف عليه إلى دليل ، وحديث أسماء في الصحيحين : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353472نحرنا فرسا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلناه ونحن بالمدينة " ، زادت في رواية الدارقطني : نحن وآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد تسليم أنه - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك وأنهم لم يفعلوه باجتهادهم على المرجح من جواز الاجتهاد في العصر النبوي قضية عين يتطرق إليها الاحتمال إذ هو خبر لا عموم فيه .
وأما حديث جابر في الصحيحين : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353473نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل " فهو من أدلة التحريم لقوله رخص إذ الرخصة استباحة الممنوع لعذر مع قيام المانع ، فدل على أنه رخص لهم بسبب المخمصة الشديدة التي أصابتهم بخيبر ، ولا يدل ذلك على الحل المطلق الذي هو محل النزاع ، وأما كون أكثر الروايات بلفظ أذن كما في مسلم ففيه تقوية لاحتجاجنا ; لأن لفظ أذن دون أباح أو أحل دال على ذلك ، وكذا لفظ رواية أمر معناه في هذا الوقت للمخمصة ، ولو سلمنا أنه لا يدل على التحريم فلا يدل على الحل لتقابل الاحتمالين .
ثالثها : أن الآية سيقت مساق الامتنان فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم ، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم وهو الركوب والزينة هنا ويترك أعلاها ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها في قوله : ومنها تأكلون .
رابعها : لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع الامتنان به من الركوب والزينة .
وأجيب عن الأول بأن آية النحل مكية اتفاقا فلو فهم - صلى الله عليه وسلم - منها المنع لما أذن في أكلها في خيبر وهي في سابعة الهجرة ، وجوابه أن محمل الإذن فيه للمخمصة كما قال تعالى : إلا ما اضطررتم إليه [ سورة الأنعام : الآية 119 ] في الممنوع منه نصا فإذنه لا ينافي فهمه منها المنع ، وأما دعوى أن آية النحل ليست نصا في المنع وحديث أسماء صريح في الجواز فيقدم الصريح على المحتمل ، فجوابه أن المتبادر من الآية المنع وذلك كاف من الاستدلال على ما علم في الأصول ، والحديث لا صراحة فيه على اطلاع المصطفى بل يحتمل أنه باجتهادهم ، ولا يرد أن من أصول مالك قول الصحابي لأن محله حيث لا معارض ، وأما دعوى أن اللام وإن كانت للتعليل لا تفيد الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقا كحمل الأمتعة والاستقاء والطحن ، وإنما ذكر الركوب والزينة لأنهما أغلب ما تطلب له الخيل ، فجوابه أن معنى الحصر فيهما دون الأكل الممتن به في غير الخيل فهو إضافي فلا ينافي الانتفاع بها فيما ذكر ، والدليل على أنه إضافي - الإجماع ، والحمل ونحوه ركوب حكما .
وأجيب عن الثاني بأن عطف البغال والحمير إنما هو دلالة اقتران وهي ضعيفة ، وجوابه أنا لم نستدل بها فقط ، بل مع الإخبار بأنه خلقها للركوب والزينة وامتنانه بالأكل من الأنعام دونها .
وعن الثالث بأن الامتنان إنما يقصد به غالب ما كان يقع انتفاعهم به فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا ولم يكونوا يعرفون أكل الخيل [ ص: 142 ] لعزتها في بلادهم ، بخلاف الأنعام فأكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللأكل ، فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به فلو حصر في الركوب والزينة لأضر .
والجواب أن هذا ممنوع ، وسنده أنه لا دليل على أن المقصود بالامتنان غالب ما يقصد به ، ولا مشقة في الحصر في الركوب والزينة بل هما من أجل النعم الممتن بها .
وأجيب عن الرابع بأنه لو لزم من الإذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في الأنعام المباح أكلها وقد وقع الامتنان بها ، وجوابه أن الفرق موجود لأن ما وقع التصريح بالامتنان بأكله لا يقاس عليه ما وقع فيه الامتنان بأنه للركوب والزينة فاللازم ممنوع .
وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل ويقرأ : والأنعام خلقها لكم [ سورة النحل : الآية 5 ] الآية ، ويقول : هذه للأكل ، والخيل والبغال والحمير ، ويقول هذه للركوب ، فهذا صحابي من أئمة اللسان ومقامه في القرآن معلوم ، وقد سبق مالكا على الاستدلال بذلك .
وذهب الجمهور والشافعي وأحمد إلى حل أكل الخيل بلا كراهة لظاهر حديثي جابر nindex.php?page=showalam&ids=64وأسماء بنت أبي بكر وقد علم ما فيه .
( قال مالك : والقانع هو الفقير أيضا ) وقيل هو السائل ، قال الشماخ : لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع ، أي : السؤال ، يقال منه قنع قنوعا إذا سأل ، وقنع قناعة إذا رضي بما أعطي ، وأصل هذا كله الفقر والمسكنة وضعف الحال قاله أبو عمر فقنع بزنة رضي ومعناه ، وقنع بفتح النون طمع وسأل ، وقد تظرف القائل :