قال أبو بكر الصديق : هي من لم يرثه أب ولا ابن ، أخرجه ابن أبي شيبة وعليه جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
قال أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل التابعي الكبير : ما رأيتهم إلا تواطئوا على ذلك . رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح .
قال أبو عبيد : وهي مصدر من تكلله النسب أي تعطف النسب عليه ، وزاد غيره : كأنه أخذ طرفيه من جهة الولد والوالد وليس له فيهما أحد وهو قول البصريين قالوا : وهو مأخوذ من الإكليل كأن الورثة أحاطوا به وليس له أب ولا ابن ، وقيل : هو من كل يكل ، يقال كلت النسب إذا تباعدت وطال انتسابها ، وقيل : الكلالة من سوى الولد وولد الولد ، وقيل : من سوى الوالد ، وقيل : هم الإخوة ، وقيل : من الأم .
وقال الأزهري : سمي الذي لا والد له كلالة ، وسمي الوارث كلالة ، وسمي الإرث كلالة .
وعن عطاء : هي المال ، وقيل : الفريضة ، وقيل : الورثة والمال ، وقيل : بنو العم ونحوهم ، وقيل : العصبة وإن بعدوا ، وقيل غير ذلك ، ولكثرة الاختلاف فيها صح عن عمر أنه قال : لم أقل في الكلالة شيئا .
( قال مالك : والأمر عندنا المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه ، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الكلالة على وجهين : فأما الآية التي أنزلت في أول النساء ) في الشتاء من قوله : يوصيكم الله في أولادكم [ سورة النساء : الآية 11 ] ( إلى قوله تبارك وتعالى : وإن كان رجل يورث ) صفة والخبر ( كلالة ) أو " يورث " خبر و " كلالة " حال من ضميره ( أو امرأة ) تورث كلالة ( وله أخ أو أخت ) من أم كما قرأ به ابن مسعود وابن أبي وقاص ( فلكل واحد منهما السدس ) مما ترك ( فإن كانوا أكثر من ذلك ) اثنين ( فهم شركاء في الثلث ) يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم ( فهذه الكلالة التي لا يرث فيها الإخوة للأم حتى لا يكون ) يوجد ( ولد ولا والد ) للميت ( وأما الآية التي في آخر سورة النساء ) وهي الصيفية ( قال الله تبارك وتعالى : يستفتونك ) أي يستخبرونك في [ ص: 173 ] الكلالة ، والاستفتاء طلب الفتوى ، يقال استفتيت الرجل في المسألة فأفتاني فتوى وفتيا وهما اسمان وضعا موضع الإفتاء ، ويقال أفتيت فلانا في رؤيا رآها قال تعالى : يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان [ سورة يوسف : الآية 46 ] ومعنى الإفتاء إظهار المشكل ( قل الله يفتيكم في الكلالة ) متعلق بـ " يفتيكم " على إعمال الثاني وهو اختيار البصريين ولو أعمل الأول لأضمر في الثاني ، وله نظائر في القرآن كقوله : هاؤم اقرءوا كتابيه [ سورة الحاقة : الآية 19 ] وفي مراسيل أبي داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن nindex.php?page=hadith&LINKID=10353508قال رجل : " يا رسول الله ما الكلالة ؟ قال : من لم يترك ولدا ولا والدا فورثته كلالة " ( إن امرؤ ) مرفوع بفعل يفسره ( هلك ) مات ( ليس له ولد ) رفع على الصفة أي هلك امرؤ غير ذي ولد أي ابن ، وإن وقع ولد على الأنثى لأن الابن يسقط الأخت ولا تسقطها البنت ( وله أخت ) شقيقة أو لأب ( فلها نصف ما ترك ) الميت والفاء جواب إن . ( وهو يرثها ) جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب دالة على جواب الشرط وليست جوابا خلافا للكوفيين وأبي زيد ، والضميران عائدان على لفظ ( امرؤ وأخت ) دون معناهما فهو من باب قوله :
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب
والهالك لا يرث فالمعنى وامرؤ آخر غير الهالك يرث أختا له أخرى . ( إن لم يكن لها ولد ) ذكر فإن كان فلا شيء للأخ ، وإن كان أنثى فللأخ ما فضل عن فرض البنات وهذا في الأخ للأبوين أو للأب ، فإن كان لأم ففرضه السدس كما في أول السورة ( فإن كانتا ) أي الأختان ( اثنتين ) أي فصاعدا لأنها نزلت في جابر ، وقد كان له أخوات ( فلهما ) أو لهن ( الثلثان مما ترك ) الميت ( وإن كانوا ) أي الورثة بالأخوة ( إخوة ) وأخوات فغلب المذكر ( رجالا ونساء ) ذكورا وإناثا ( فللذكر ) منهم ( مثل حظ الأنثيين ) حذف " منهم " لدلالة المعنى عليه ( يبين الله لكم ) شرائع دينكم ( أن تضلوا ) مفعول لأجله بتقدير مضاف ، أي كراهة أن تضلوا في حكمها كذا قدر المبرد ، وقال الكسائي وغيره : " لا " محذوفة بعد " أن " ، والتقدير لئلا تضلوا ، قالوا : وحذف " لا " سائغ ذائع .
وفي الصحيحين عن البراء : آخر آية نزلت خاتمة النساء : قل الله يفتيكم في الكلالة [ سورة النساء : الآية 176 ] أي من الفرائض .
[ ص: 174 ] ( قال مالك : فهذه الكلالة التي تكون فيها الإخوة عصبة إذا لم يكن ولد ) ذكر ( فيرثون مع الجد في الكلالة فالجد يرث مع الإخوة لأنه أولى بالميراث منهم وذلك ) أي بيان أولويته ( أنه يرث مع ذكور ولد المتوفى السدس ) باتفاق كالأب ( والإخوة لا يرثون مع ذكور ولد المتوفى شيئا ) بل يسقطونهم ( وكيف لا يكون ) الجد ( كأحدهم ) أي الإخوة ( وهو يأخذ السدس مع ولد المتوفى فكيف لا يأخذ الثلث مع الإخوة ) الأشقاء أو لأب ( وبنو الأم يأخذون معهم الثلث ، فالجد هو الذي حجب الإخوة للأم ومنعهم مكانه ) بالرفع فاعل ، أي وجوده ( الميراث ) مفعول ( فهو أولى ) أي أحق ( بالذي كان لهم ) لو لم يكن الجد ( لأنهم سقطوا من أجله ، ولو أن الجد لم يأخذ ذلك الثلث أخذه بنو الأم فإنما أخذ ما لم يكن يرجع إلى إخوة للأب ) لو لم يكن جد ( وكان الإخوة للأم هم أولى ) أحق ( بذلك الثلث من الإخوة للأب وكان الجد هو أولى به من الإخوة للأم ) ولفظ أولى في هذه الألفاظ ليست للتفضيل لأنه حق لهم لا يشاركون فيه ولكنه عبر بذلك لأنه أورده في مقام الاستدلال .