21 - باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض
1220 1205 - ( مالك ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر ) كذا في رواية يحيى ، وظاهرها الإرسال ; إذ نافع لم يدرك ذلك وليس بمراد ، فقد رواه غيره في الموطأ كيحيى النيسابوري وإسماعيل وغيرهما ، مالك عن نافع عن ابن عمر أنه ( طلق امرأته ) هي آمنة ، بمد الهمزة وكسر الميم ، بنت غفار ، بكسر المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء ، كما ضبطه ابن نقطة وعزاه لابن سعد وذكر أنه وجده كذلك بخط الحافظ أبي الفضيل بن ناصر ، أو بنت عمار ، بفتح العين المهملة والميم المشددة ، قال الحافظ : والأول أولى . وفي مسند أحمد : اسمها النوار ، فيمكن أن اسمها آمنة ولقبها النوار ، صحابية ( وهي حائض ) جملة حالية ، زاد الليث عن نافع عن ابن عمر : تطليقة واحدة ، أخرجه مسلم وقال : جود الليث في قوله تطليقة واحدة ، قال عياض : يعني أنه حفظ وأتقن ما لم يتقنه غيره ممن لم يفسر كم الطلاق ، وممن غلط ووهم وقال طلقها ثلاثا ( على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ) عن حكم طلاق ابنه على هذه الصفة ، زاد الشيخان من رواية سالم عن أبيه : فتغيظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم . قال ابن العربي : يحتمل أن سؤال عمر لأن النازلة لم تكن وقعت فسأل ليعلم الحكم ، ويحتمل أنه علمه من قوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) ( سورة الطلاق : الآية 1 ) ، وقوله تعالى : ( يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ( سورة البقرة : الآية 228 ) والحيض ليس بقرء فيفتقر إلى بيان الحكم فيه ، [ ص: 304 ] ويحتمل أن يكون سمع النهي ، والأوسط أقواها ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) لعمر ( مره ) أصله اأمره بهمزتين الأولى للوصل مضمومة تبعا للعين مثل افعل والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفا من جنس حركة سابقتها فيقال اومر ، فإذا وصل الفعل بما قبله زالت همزة الوصل وسكنت الهمزة الأصلية كما في قوله تعالى : ( وأمر أهلك بالصلاة ) ( سورة طه : الآية 132 ) لكن استعملتها العرب بلا همز فقالوا " مر " لكثرة الدور ; لأنهم حذفوا أولا الهمزة الثانية تخفيفا ثم حذفوا همزة الوصل استغناء عنها لتحرك ما بعدها ، أي مر ابنك عبد الله ( فليراجعها ) والأمر للوجوب عند مالك وجماعة ، وصححه صاحب الهداية من الحنفية ، وللندب عند الأئمة الثلاثة ، ولا حجة لهم في أنه إنما أمره بالرجعة أبوه ، وليس له أن يضع الشرع لأنه أمره بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مبلغ عنه ، وأما استدلالهم بقوله تعالى : ( فأمسكوهن بمعروف ) ( سورة الطلاق : الآية 2 ) وغيرها من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها ، فيجمع بينها وبين الحديث بحمل الأمر فيه على الندب جمعا بينهما فليس بناهض ; إذ الأصل في الأمر الوجوب ، فيحمل عليه ويخص عموم الآيات بمن لم يطلق في الحيض ( ثم يمسكها ) أي يديم إمساكها وإلا فالرجعة إمساك ، وفي رواية يحيى التميمي : ثم ليتركها ، ولإسماعيل : ثم ليمسكها بإعادة اللام مكسورة ويجوز تسكينها بقراءة : ( ثم ليقضوا تفثهم ) ( سورة الحج : الآية 29 ) فالكسر على الأصل في لام الأمر فرقا بينها وبين لام التأكيد والسكون للتخفيف إجراء للمنفصل مجرى المتصل ، وفي رواية : ثم ليدعها ( حتى تطهر ثم تحيض ) حيضة أخرى ( ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ) أي بعد الطهر من الحيض الثاني ( وإن شاء طلق ) وفي رواية إسماعيل : طلقها ( قبل أن يمس ) ولإسماعيل : يمسها أي يجامعها ، فيكره في طهر مس فيه للتلبيس إذ لا يدري أحملت فتعتد بالوضع أو لا فبالأقراء ، وقد يظهر الحمل فيندم على الفراق ، وقد ذهب بعض الناس إلى جبره على الرجعة كالمطلق في الحيض ، فإن قيل : لم أمره أن يؤخر الطلاق إلى الطهر الثاني ؟ أجيب بأن حيض الطلاق والطهر التالي له بمنزلة قرء واحد ، فلو طلق فيه لصار كموقع طلقتين في قرء واحد ، وليس ذلك بطلاق السنة ، وبأنه عاقبه بتأخير الطلاق تغليظا عليه جزاء بما فعله من الحرام وهو الطلاق في الحيض ، وهذا معترض بأن ابن عمر لم يعلم بالتحريم ولم يتحققه وحاشاه من ذلك فلا وجه لعقوبته ، قاله المازري ، وأجيب بأن تغيظه - صلى الله عليه وسلم - دون أن يعذره يقتضي أن ذلك في الظهور لا يكاد يخفى على أحد ، وبأن ابن عمر وإن لم يتعمد فرط بترك السؤال قبل الفعل مع تمكنه منه فعوقب على تركه السؤال ، وليكون ذلك زجرا لغيره [ ص: 305 ] بعده .
وقيل : إنما أمره بالتأخير لئلا تصير الرجعة لمجرد غرض الطلاق لو طلق في أول الطهر الأول بخلاف الطهر الثاني ، وكما ينهى عن النكاح لمجرد الطلاق ينهى عن الرجعة له ، واعترض بأنه يلزم أن لا يطلق أحد قبل الدخول لأنه يصير كمن نكح للطلاق لا للنكاح ، وقيل : ليطول مقامه معها ، والظن بابن عمر أنه لا يمنعها حقها في الوطء ، فلعله إذا وطئ تطيب نفسه ويمسكها ، فيكون ذلك حرصا على رفع الطلاق وحضا على بقاء الزوجية ، حكى ذلك المازري أيضا ، قال ابن عبد البر : رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسالم بن عمر بلفظ : حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسكها ، فلم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر كما قال نافع ، نعم رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع كما نبه عليه أبو داود ، وزيادة الثقة مقبولة خصوصا إذا كان حافظا . ولفظ رواية الزهري عن سالم عن أبيه في الصحيحين : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353628مره فليراجعها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسها " . ( فتلك العدة التي أمر الله ) أي أذن ( أن يطلق لها النساء ) في قوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) ( سورة الطلاق : الآية 1 ) وفي رواية لمسلم : قال ابن عمر : وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن ) . قالعياض : أي في استقبال عدتهن ، وهذه قراءة ابن عمر وابن عباس . وفي قراءة ابن مسعود : " لقبل طهرهن " . قال القشيري وغيره : وهذه القراءة على التفسير لا على التلاوة ، وهي تصحح أن المراد بالأقراء الأطهار إذ لا يستقبل في الحيض عدة عند الجميع ولا يجتزى بها عند أحد من الطائفتين ، زاد في رواية سالم في الصحيح : وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة فحسبت من طلاقها ، وراجعها عبد الله كما أمره - صلى الله عليه وسلم - وفيه أن الطلاق يقع في الحيض ، وإلا لم يكن للأمر بالمراجعة فائدة ، قال الباجي : إذ المراجعة لا تستعمل غالبا إلا بعد طلاق يعتد به ، فهو حجة على من لا يعتد بخلافهم وهم هشام بن الحكم وابن علية وداود في قولهم : لا يقع الطلاق على الحائض . وفي بعض طرق الحديث : فحسبت من طلاقها والذي حسب حينئذ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه شوور في المسألة وأفتى فيها ، فمحال أن يعتد بها ابن عمر طلقة من غير أمره - صلى الله عليه وسلم - ومن جهة القياس : أن إلزام الطلاق تغليظ ومنعه تخفيف ; لأنه لا يلزم الصبي ولا المجنون ولا النائم ويلزم السكران ; لأنه عاص ، فإذا لزم من أوقعه على الوجه المأمور به كان إلزامه لمن أوقعه على الوجه الممنوع أحرى . وقال أبو عمر : جمهور العلماء على أن الطلاق في الحيض وإن كرهه جميعهم ، ولا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والجهل الذين يرون الطلاق لغير السنة لا يقع ، وروي ذلك عن بعض التابعين وهو شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ، وقد سئل ابن عمر : أيعتد بتلك الطلقة ؟ قال : نعم ، روي ذلك عنه من طرق ، وفي بعضها قال : فمه [ ص: 306 ] أرأيت إن عجز واستحمق ، أي عجز عن فرض آخر فلم يأت به ، أكان يعذر ؟ وكان إذا سئل يقول : إن طلقت امرأتك وهي حائض مرة أو مرتين فإن الله أمر أن تراجعها ، وإن طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ، فلو كان غير لازم لم يلزمه ثلاثا كان أو واحدة ، ومن جهة النظر أن الطلاق ليس من القرب كالصلاة فلا تقع إلا على سببها وإنما هو زوال عصمة ، فإن أوقعه على غير سببه أثم ولزمه ، ومحال أن يلزم المطيع المتبع للسنة طلاقه ولا يلزم العاصي ، فيكون أحسن حالا من المطيع ، وقد قال - تعالى - : ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) ( سورة الطلاق : الآية 1 ) أي عصى ربه وفارق امرأته ، وكذلك المطلق في الحيض ، وقد قال النووي : أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها ، فإن طلقها أثم ووقع ، وشذ بعض أهل الظاهر فقال : لا يقع لأنه لم يؤذن فيه فأشبه طلاق الأجنبية ، والصواب الأول وبه قال العلماء كافة ; لأمره - عليه السلام - بالمراجعة ، فلو لم يقع لم تكن رجعة ، وزعم أن المراد الرجعة اللغوية وهي الرد إلى حالها الأول ، غلط ; لأن الحمل على الحقيقة الشرعية مقدم على اللغوية كما تقرر في الأصول ، ولأن ابن عمر صرح بأنه حسبها عليه طلقة . اهـ .
وقد روى الدارقطني : فقال عمر : " يا رسول الله أفيحتسب بتلك الطلقة ؟ قال : نعم " . فهذا نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه . وما في مسلم عن أبي الزبير عن ابن عمر : " فقال - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353630ليراجعها ، فردها ، وقال : إذا طهرت فليطلق أو يمسك " . وزاد النسائي وأبو داود فيه : ولم يرها ، أعله أبو داود فقال : روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة ، وأحاديثهم كلهم على خلاف ما قال أبو الزبير ، وقال ابن عبد البر : لم يقلها غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت منه ؟ وقال الخطابي : لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا . وقال الشافعي : نافع أثبت من أبي الزبير ، والأثبت أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا ، وقد وافق نافعا غيره من أهل التثبت ، وحمل قوله : لم يرها شيئا ، على أنه لم يعدها شيئا صوابا ، فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو في جوابه : لم يصنع شيئا ، أي شيئا صوابا . وقال الخطابي : لم يرها شيئا تحرم معه المراجعة ، وقد تابع أبا الزبير عبد الله بن مالك عن ابن عمر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353631أنه طلق امرأته وهي حائض ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ليس ذلك بشيء " . رواه سعيد بن منصور ، وهو قابل للتأويل وهو أولى من تغليط بعض الثقات . قال ابن دقيق العيد : ويتعلق بالحديث مسألة أصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أم لا ؟ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر : " مره ، فأمره بأمره " . وأطال في فتح الباري الكلام في هذه المسألة ، والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفا آخر بفعل شيء ، فالمكلف الأول مبلغ محض والثاني مأمور من قبل الشرع كما هنا ، وإن توجه من الشارع أن يأمر غير مكلف كحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353633مروا أولادكم بالصلاة لسبع " . لم يكن الأمر بالشيء أمرا بالشيء ; لأن [ ص: 307 ] الأولاد غير مكلفين فلا يتجه عليهم الوجوه ، وإن توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الأمر أن يأمر من لا أمر للأول عليه ، لم يكن الآمر بالشيء آمرا بالشيء أيضا بل هو متعد بأمره للأول أن يأمر الثاني ، وفي الحديث فوائد غير ما ذكر . وأخرجه البخاري عن إسماعيل ، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، وتابعه الليث وعبيد الله بن عمر عند مسلم ، كلاهما عن نافع ، وتابعه سالم عن ابن عمر في الصحيحين وله طرق أخرى فيهما وفي غيرهما .