1288 1276 - ( مالك ، عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير ) هل تؤثر التحريم ( فقال : أخبرني عروة ابن الزبير ) قال ابن عبد البر : هذا حديث يدخل في المسند ، أي الموصول للقاء عروة عائشة وسائر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وللقائه سهلة بنت سهيل ، وقد وصله جماعة منهم معمر وعقيل ويونس وابن جرير عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة بمعناه ، ورواه عثمان بن عمر وعبد الرزاق كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ( أن أبا حذيفة ) اسمه مهشم ، وقيل هشيم ، وقيل هاشم ( ابن عتبة بن ربيعة ) بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي ، كان طوالا حسن الوجه ( وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) السابقين إلى الإسلام ، قال ابن إسحاق : أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانا ، وهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين ( وكان قد شهد بدرا ) وسائر المشاهد ، واستشهد يوم اليمامة وهو ابن ست وخمسين سنة ( وكان تبنى سالما الفارسي المهاجري الأنصاري ) الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة قال البخاري : كان مولى امرأة من الأنصار ، قال ابن حبان : يقال لها ليلى ، ويقال ثبيتة ، بضم المثلثة وفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الفوقية ، بنت يعار ، بفتح التحتية والمهملة المخففة فألف فراء ، ابن زيد بن عبيد ، وكانت امرأة أبي حذيفة ، وبهذا جزم ابن سعد ، وقيل اسمها سلمى ، وقال ابن شاهين : سمعت ابن أبي داود يقول : هو سالم بن معقل مولى فاطمة بنت يعار الأنصارية ، أعتقته سائبة فوالى أبا حذيفة فتبناه أي اتخذه ابنا ، وشهد اليمامة وكان [ ص: 370 ] معه لواء المهاجرين ، فقطعت يمينه فأخذه بيساره فقطعت فاعتنقه إلى أن صرع ، فقال : ما فعل أبو حذيفة ؟ قيل : قتل ، قال : فأضجعوني بجنبه ، فأرسل عمر ميراثه إلى معتقته ثبيتة فقالت : إنما أعتقته سائبة ، فجعله في بيت المال ، رواه ابن المبارك . وذكر ابن سعد أن عمر أعطى ميراثه لأمه ، فقال : كليه ، وكان ذلك ترك إلى أن تولى عمر ، وإلا فاليمامة كانت في خلافة أبي بكر ( كما تبنى ) أي اتخذ ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة ) الكلبي ابنا ( وأنكح ) أي زوج ( أبو حذيفة سالما وهو يرى أنه ابنه ) المتبنى المذكور ( أنكحه ) أعاده لطول الكلام بالفصل بقوله : وهو . . . إلخ ، وهذا حسن موجود في القرآن كقوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ( سورة البقرة : الآية 89 ) فأعاد " لما جاءهم " لطول الكلام وقوله : ( أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ) ( سورة المؤمنون : الآية 35 ) فأعاد أنكم ( بنت أخيه فاطمة ) وفي رواية يونس وشعيب وغيرهما عن الزهري : هند ، قال ابن عبد البر : والصواب فاطمة ( بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وهي يومئذ من المهاجرات الأول ) الفاضلات ( وهي من أفضل أيامى قريش ) جمع أيم ، من لا زوج لها بكرا أو ثيبا ، زاد في رواية شعيب عن الزهري : وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه ( فلما أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط ) أعدل ( عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) بنو عمكم ( رد ) بالبناء للمفعول ( كل واحد من أولئك إلى أبيه ) الذي ولده ( فإن لم يعلم أبوه رد إلى مولاه ) وفي رواية شعيب : فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين ( فجاءت سهلة ) بفتح المهملة وسكون الهاء ( بنت سهيل ) بضم السين ، مصغر ، ابن عمرو ، بفتح العين ، أسلمت قديما بمكة ( وهي امرأة أبي حذيفة ) وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك محمدا وهي ضرة معتقة سالم الأنصارية ( وهي من بني عامر بن لؤي ) فهي قرشية عامرية ، وأبوها صحابي شهير ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 371 ] فقالت : يا رسول الله إنا كنا نرى ) نعتقد ( سالما ولدا ) بالتبني ( وكان يدخل علي وأنا فضل ) بضم الفاء والضاد المعجمة ، قال ابن وهب : أي مكشوفة الرأس والصدر ، وقيل على ثوب واحد لا إزار تحته ، وقيل متوشحة بثوب على عاتقها خالفت بين طرفيه ، قال ابن عبد البر : أصحها الثاني لأن كشف الحرة الصدر لا يجوز عند محرم ولا غيره ( وليس لنا إلا بيت واحد ) فلا يمكن الاحتجاب منه ، زاد في رواية شعيب : وقد أنزل الله فيه ما علمت ( فماذا ترى في شأنه ؟ ) ولمسلم عن القاسم عن عائشة فقالت : إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه . وله من وجه آخر عن القاسم عنها فقالت : إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوه ، وإنه يدخل علينا ، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا . ولا منافاة فإن سهلة ذكرت السؤالين للنبي - صلى الله عليه وسلم - واقتصر كل راو على واحد .
( فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرضعيه خمس رضعات ) قال ابن عبد البر : وفي رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن شهاب بإسناده ( عشر رضعات ) ، والصواب رواية مالك ، وتابعه يونس : خمس رضعات ( فيحرم بلبنها ) زاد في مسلم : فقالت : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353686كيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسم - صلى الله عليه وسلم - وقال : قد علمت أنه رجل كبير وكان قد شهد بدرا . وفي لفظ له : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353687أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة ، فرجعت إليه فقالت : إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة . قال أبو عمر : صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه ، فأما أن تلقمه المرأة ثديها فلا ينبغي عند أحد من العلماء . وقال عياض : ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما ; إذ لا يجوز رؤية الثدي ولا مسه ببعض الأعضاء . قال النووي : وهو حسن ، ويحتمل أنه عفا عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر ، وأيده بعضهم بأن ظاهر الحديث أنه رضع من ثديها لأنه تبسم وقال : قد علمت أنه رجل كبير ، ولم يأمرها بالحلب ، وهو موضع بيان ، ومطلق الرضاع يقتضي مص الثدي فكأنه أباح لها ذلك لما تقرر في نفسهما أنه ابنها وهي أمه ، فهو خاص بهما لهذا المعنى ، وكأنهم رحمهم الله تعالى لم يقفوا في ذلك على شيء . وقد روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال : كانت سهلة تحلب في مسعط - إناء قدر رضعته - فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسهلة .
( وكانت تراه ابنا من الرضاعة ) [ ص: 372 ] لقوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353688أرضعيه تحرمي عليه ( فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال ) الأجانب ( فكانت تأمر أختها أم كلثوم ) بضم الكاف من الكلثمة وهي الحسن ( ابنة أبي بكر الصديق وبنات أخيها ) عبد الرحمن ( أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال ) قال ابن المواز : ما علمت من أخذ به عاما إلا عائشة ، ولو أخذ به في رفع الحجاب آخذ لم أعبه وتركه أحب إلى الباجي ، وانعقد الإجماع على أنه لا يحرم ، يعني والخلاف إنما كان أولا ، ثم انقطع ، القرطبي في قول ابن المواز عاما نظر ، فحديث الموطأ نص في أنها أخذت به في رفع الحجاب خاصة ، ألا ترى قوله : من تحب أن يدخل عليها من الرجال اهـ ، ولا نظر ، فمراد ابن المواز بالعموم في كل الناس لا خاص بسهلة . وقال ابن العربي : ذهب إلى قولها أن رضاع الكبير يحرم عطاء والليث لحديث سهلة هذا ، ولعمر الله إنه لقوي ولو كان الموطأ بسالم لقال لها : ولا يكون لأحد بعدك كما قال لأبي بردة في الجذعة اهـ ، وليس بلازم . وقال أبو عمر : قال به قوم منهم عطاء ، وروي عن علي ولا يصح عنه . وروى ابن وهب عن الليث : أكره رضاع الكبير أن أحل منه شيئا . وروى عبد الله بن صالح أن امرأة جاءت إلى الليث فقالت : أريد الحج وليس لي محرم ، فقال : اذهبي إلى امرأة رجل ترضعك فيكون زوجها أبا لك فتحجين معه ، وحجتهم حديث عائشة هذا وفتواها وعملها به ( وأبى ) امتنع ( سائر ) أي باقي ( أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ) زاد أبو داود : حتى يرضع في المهد ( وقلن ) لعائشة ( لا والله ما نرى ) نعتقد ( الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة سالم وحده ) لأنها قضية في عين لم تأت في غيره ، واحتفت بها قرينة التبني وصفات لا توجد في غيره فلا يقاس عليه ، قال المازري : ولها أن تجيب بأنه ورد متأخرا فهو ناسخ لما عداه مع ما لأمهات المؤمنين من شدة الحكم في الحجاب والتغليظ فيه ، كذا قال ، وفيه نظر لا يخفى .
( لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد ، فعلى هذا كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة الكبير ) فأجازته عائشة ومنعه باقيهن . وفي مسلم عن ابن أبي مليكة أنه سمع هذا الحديث من القاسم عن عائشة قال : فمكثت سنة أو قريبا منها لا [ ص: 373 ] أحدث به رهبة ثم لقيت القاسم فأخبرته قال : حدثه عني أن عائشة أخبرتنيه ، قال أبو عمر : هذا يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه بل تلقوه على أنه خصوص . وقال ابن المنذر : لا يبعد أن يكون حديث سهلة منسوخا ، وقد روى البخاري بعضه عن شعيب عن الزهري عن عروة عن عائشة ، ورواه أبو داود والبرقاني تاما نحوه ، ومسلم من طرق عن nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أم سلمة عن أمها أنها قالت لعائشة : " إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي ، فقالت عائشة : أما لك في رسول الله أسوة ؟ " فذكرت الحديث بنحوه . وفي بعض طرقه عن زينب أن أمها قالت : أبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة وقلن لعائشة : والله ما نرى هذا إلا رخصة . . . إلخ .