بكسر الحاء وفتح الواو أي التحول للدين المدين ، وقوله تعالى : لا يبغون عنها حولا ( سورة الكهف : الآية 108 ) أي تحولا ، يقال : حال من مكانه حولا ، وعاد في حبها عودا .
قال عياض : المطل منع قضاء ما استحق أداؤه ، زاد القرطبي : مع التمكن من ذلك وطلب صاحب الحق حقه ، والجمهور أنه مضاف للفاعل ، وبعضهم جعله مضافا إلى المفعول ، وإن الغني هو الممطول .
عياض : وهو بعيد ، قال الأبي : وعليه فالتقدير أن يمطل بضم الياء ، فالمصدر مبني للمفعول ، وفي صحة بنائه [ ص: 485 ] كذلك خلاف في العربية انتهى .
والمعنى أنه يجب وفاء الدين ، وإن كان صاحبه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخيره عنه ، وإذا كان ذلك في حق الغني فالفقير أولى ، وأصل المطل المد تقول : مطلت الحديدة أمطلها مطلا إذا مددتها لتطول ، قاله ابن فارس ، وقال الأزهري : المطل المدافعة .
( ظلم ) يحرم عليه ، قال القرطبي : والظلم وضع الشيء في غير محله ، والماطل وضع المنع موضع القضاء اهـ .
وخرج بالغني المعسر فليس بظلم ؛ لأنه إنما فعل ما يجب من إنظاره ، قال سحنون وأصبغ : ترد شهادة الماطل لأنه ظلم ، وقال ابن عبد الحكم : لا ترد .
وفي الإكمال : اختلف في أنه جرحة أو حتى يكون ذلك عادة .
وفي الفتح : لفظ ( مطل ) يشعر بتقدم الطلب فيؤخذ منه أن الغني لو أخر الدفع مع عدم طلب صاحبه الحق له لم يكن ظالما ، وهو المشهور قضية كونه ظلما أنه كبيرة ، لكن قال النووي : مقتضى مذهبنا اعتبار تكراره ، ورده السبكي بأن مقتضاه عدمه ؛ لأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب ، والغصب كبيرة لا يشترط فيها التكرار ، وفيه الزجر عن المطل .
( وإذا أتبع ) بضم الهمزة وسكون الفوقية وكسر الموحدة مبنيا للمفعول على المشهور رواية ولغة ، قاله النووي وعياض ، وقول القرطبي عند الجميع مردود بقول الخطابي : أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء ، والصواب التخفيف ، وقال عياض : شددها بعض المحدثين ، والوجه إسكانها يقال : تبعت فلانا بحقي أتبعه تباعة بالفتح إذا طلبته ، وأنا له تبيع بالتخفيف ، والمعنى إذا أحيل ( أحدكم ) فضمن معنى أحيل فعدي بعلى في قوله ( على مليء ) بالهمز مأخوذ من الإملاء ، يقال ملؤ الرجل بضم اللام أي : صار مليئا ، وقال الكرماني : ملي كغني لفظا ومعنى ، قال الحافظ : فاقتضى أنه بغير همز ، وليس كذلك ، فقد قال إنه في الأصل بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله ، انتهى .
وذكر غيره أن الرواية بالوجهين .
( فليتبع ) بإسكان الفوقية على المشهور رواية ولغة ، ورواه بعضهم بشدها ، والأول أجود كما قاله القرطبي ، وقد رواه أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي الزناد بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353771إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل ، والبيهقي من طريق يعلى بن منصور عن ابن أبي الزناد عن أبيه ، وأشار إلى تفرد يعلى بذلك ، ولم ينفرد به كما ترى ، ولكن الظاهر أنها بالمعنى ، فقد رواه البخاري عن محمد بن يوسف عن الثوري بلفظ الجادة ، وابن ماجه عن ابن عمر بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353772إذا أحلت على مليء فاتبعه ، وهذه بشد التاء خلاف ، والأمر للاستحباب عند الجمهور ، ووهم من نقل فيه الإجماع ، وقيل أمر إباحة وإرشاد وهو شاذ ، وحمله أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر على الوجوب ، وإليه مال البخاري وهو ظاهر الحديث .
وأجاب الجمهور بأن الصارف له عنه إلى الندب أنه راجع لمصلحة دنيوية لما فيه من الإحسان إلى المحيل بتحصيل مقصوده من تحويل الحق عنه ، وترك تكليفه التحصيل والإحسان مستحب ، وبأن الصارف كونه أمرا بعد نهي ، وهو [ ص: 486 ] بيع الكالئ بالكالئ فيكون للإباحة والندب على المرجح في الأصول ، وإذا أتبع بالواو لأكثر رواة الموطأ فلا تعلق للجملة الثانية بالأولى ، وللتنيسي وغيره : فإذا أتبع بالفاء ففيه إشعار بأن الأمر بقبول الحوالة معلل بكون مطل الغني ظلما .
قال ابن دقيق العيد : ولعل السبب فيه أنه إذا تقرر أنه ظلم فالظاهر من حال المسلم الاحتراز عنه فيكون ذلك سببا للأمر بقبول الحوالة عليه ؛ لأن به يحصل المقصود من غير ضرر المطل ، ويحتمل أن يكون ذلك لأن المليء لا يتعذر استيفاء الحق منه إذا امتنع ، بل يأخذه الحاكم قهرا عليه ويوفيه ، ففي قبول الحوالة عليه تحصيل الغرض من غير مفسدة في الحق ، قال : والمعنى الأول أرجح لما فيه من بقاء معنى التعليل بأن المطل ظلم ، وعلى الثاني تكون العلة عدم وفاء الحق لا الظلم .
وقال غيره : قد يدعى أن في كل منهما بقاء التعليل بأن المطل ظلم ؛ لأنه لا بد في كل منهما من حذف به يحصل الارتباط فيقدر في الأول مطل الغني ظلم ، والمسلم في الظاهر يجتنبه فمن أتبع . . . . . إلخ .
وفي الثاني : مطل الغني ظلم ، والظلم تزيله الحكام ولا تقره ، فمن أتبع على مليء فليتبع ولا يخشى من المطل انتهى .