قال مالك إذا كان لرجل على رجل دين فسأله أن يقره عنده قراضا إن ذلك يكره حتى يقبض ماله ثم يقارضه بعد أو يمسك وإنما ذلك مخافة أن يكون أعسر بماله فهو يريد أن يؤخر ذلك على أن يزيده فيه قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فهلك بعضه قبل أن يعمل فيه ثم عمل فيه فربح فأراد أن يجعل رأس المال بقية المال بعد الذي هلك منه قبل أن يعمل فيه قال مالك لا يقبل قوله ويجبر رأس المال من ربحه ثم يقتسمان ما بقي بعد رأس المال على شرطهما من القراض قال مالك لا يصلح القراض إلا في العين من الذهب أو الورق ولا يكون في شيء من العروض والسلع ومن البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمره وتفاحش رده فأما الربا فإنه لا يكون فيه إلا الرد أبدا ولا يجوز منه قليل ولا كثير ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون
( قال مالك : إذا كان لرجل على رجل دين فيسأله أن يقره ) بضم أوله وكسر القاف يبقيه [ ص: 519 ] ( عنده قراضا إن ذلك يكره ) كراهة منع ( حتى يقبض ماله ثم يقارضه بعد ) بالضم ( أو يمسك ، وإنما ذلك مخافة أن يكون أعسر بماله فهو يريد أن يؤخر ذلك على أن يزيده فيه ) فيكون ذريعة للربا ، ووافقه الشافعي على الحكم وعلله بأن ما في الذمة لا يعود أمانة حتى يقبض .
( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فهلك بعضه قبل أن يعمل فيه ثم عمل فيه فربح فأراد أن يجعل رأس المال بقية المال بعد الذي هلك منه قبل أن يعمل فيه قال : لا يقبل قوله ويجبر رأس المال من ربحه ) ومفهومه : لو صح التلف قبل الشروع في العمل لم يكن رأس المال إلا ما بقي ، وهو ما نقله ابن حبيب عن أصحاب مالك كلهم ، وقال عيسى : هو أحب إلي .
ابن عبد البر : وعليه جمهور الفقهاء وهو أولى بالصواب .
وفي المدونة عن ابن القاسم : لا يكون كذلك حتى يقبض منه المال ثم يرده قراضا ثانيا ، وإلا فهو على الأول يجبر التلف بالربح ( ثم يقتسمان ما بقي بعد رأس المال على شرطهما من القراض ) من نصف وغيره .
( ولا يصلح القراض إلا في العين من الذهب والورق ) لأنها قيم المتلفات وأصول الأثمان ، ولا يدخل أسواقها تغير ، وما يدخله تغير الأسواق لا يجوز القراض به .
( و ) لذا ( لا يكون في شيء من العروض والسلع ومن البيوع ) الممنوعة ( ما يجوز ) أي يمضي ( إذا تفاوت أمره وتفاحش رده ) كبيع حب أفرك قبل يبسه وبيع ثمر بعد أن أزهى يؤخذ كيلا بعد أن يثمر ، قال ابن مزين : وإنما خرج مالك من ذكر القراض إلى ذكر البيوع تمثيلا أن للقراض مكروها كالبيوع ، فمكروه القراض إذا فات بالعمل رد إلى قراض مثله كالقراض بالعروض أو الضمان أو إلى أجل .
وحرام القراض إذا فات بالعمل رد إلى أجر مثله .
( فأما الربا فإنه لا يكون فيه إلا الرد أبدا ولا يجوز منه ) وفي نسخة فيه [ ص: 520 ] ( قليل ولا كثير ، ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه : " وإن تبتم " ) رجعتم عن الربا ( " فلكم رءوس " ) أصول ( " أموالكم لا تظلمون " ) بزيادة ( " ولا تظلمون " ) بنقص ، فلم يبح فيه شيئا ، قال أبو عمر : هذه مسألة وقعت هنا من رواية يحيى وهو قول صحيح .