مفاعلة من السقي لأنه معظم عملها وأصل منفعتها وأكثرها مؤنة ، والبعل يجوز مساقاته ، ولا سقي فيه ؛ لأن ما فيه من المؤن يقوم مقام السقي ، والمفاعلة إما للواحد نحو : عافاك الله ، أو لوحظ العقد وهو منهما فيكون من التعبير بالمتعلق عن المتعلق وهي مستثناة من المخابرة وهي كراء الأرض بما يخرج منها ، ومن بيع الثمرة والإجارة بها قبل طيبها وقبل وجودها ، ومن الإجارة المجهولة ومن بيع الغرر إلى غير ذلك قاله عياض .
وبحث في الأول بأن الأرض غير مكتراة في المساقاة ، إنما المكتري العامل ، ولذا قالوا في حدها إنها إجارة على العمل في حائط وشبهه بجزء من ربحه ، وأجيب بأن البياض الذي يدخل في المساقاة فيه كراء الأرض بما يخرج منها وذلك كاف في الاستثناء .
1412 1380 - ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ) قال ابن عبد البر : أرسله جميع رواة الموطأ وأكثر أصحاب ابن شهاب ، ووصله منهم طائفة ، منهم صالح بن أبي الأخضر أي وهو ضعيف فزاد أبو هريرة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ليهود خيبر ) بوزن جعفر ، مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام ( يوم افتتح خيبر ) في صفر سنة سبع عند الجمهور بعدما حاصرها بضع عشرة ليلة ، ومن قال سنة ست بناه على أن ابتداء التاريخ من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول .
وفي الصحيحين عن ابن عمر كان - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فينبغي أن يقرهم بها على أن [ ص: 540 ] يكفوه العمل ولهم نصف الثمر ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10353826أقركم فيها ما أقركم الله ) عز وجل لا دلالة فيه لمن قال بجواز المساقاة مدة مجهولة ، لأنه محمول على مدة العهد ؛ لأنه كان عازما على إخراج الكفار من جزيرة العرب كمحبته استقبال الكعبة ، فإنه كان لا يتقدم في شيء إلا بوحي ، فذكر ذلك لليهود منتظرا للقضاء فيهم إلى أن حضرته الوفاة فأتاه الوحي فقال : لا يبقين دينان بأرض العرب ، فلما بلغ عمر ذلك فحص عنه حتى أتاه الثبت فأجلاهم ، أو لأن ذلك كان خاصا به - صلى الله عليه وسلم - ينتظر قضاء الله ، وقيل لأنهم كانوا عبيدا له كما قال ابن شهاب ، ويجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بين الأجنبيين ؛ إذ للسيد أخذ ما بيده عند الجميع ، قاله ابن عبد البر .
وقال الباجي : لعله بين لهم ولم يبينه الراوي ؛ لأن ظاهره المساقاة ، أو لعله كان بعد وصف العمل والاتفاق منه على معلوم بعادة أو غيرها .
قال عياض : وقيل : ليس القصد بهذا الكلام عقد المساقاة وإنما المقصود به أنها ليست مؤبدة ، وأن لنا إخراجكم .
قال القرطبي : ويحتمل أنه حد الأجل فلم يسمعه الراوي فلم ينقله اهـ .
( قال : فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة ) بفتح الراء بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي الشاعر أحد السابقين ، شهد بدرا واستشهد بمؤتة ، وكان ثالث الأمراء بها في جمادى الأولى سنة ثمان ، وفيه أن كان لا تقتضي التكرار ؛ لأنه إنما بعثه عاما واحدا وقتل بعده بأشهر كما رأيت .
( فيخرص بينه وبينهم ثم يقول إن شئتم فلكم ) وتضمنون نصيب المسلمين ( وإن شئتم فلي ) وأضمن نصيبكم ( فكانوا يأخذونه ) وعن جابر : خرص ابن رواحة أربعين ألف وسق ، ولما خيرهم أخذوا الثمرة وأدوا عشرين ألف وسق .
قال ابن مزين : سألت عيسى عن فعل ابن رواحة أيجوز للمتساقيين أو الشريكين ؟ فقال : لا ، ولا يصلح قسمه إلا كيلا ؛ إلا أن تختلف حاجتهما إليه فيقتسمانه بالخرص ، فتأول خرص ابن رواحة للقسمة خاصة .
وقال الباجي : يحتمل أنه خرصها بتمييز حق الزكاة ؛ لأن مصرفها غير مصرف أرض العنوة ؛ لأنه يعطيها الإمام للمستحق من غني وفقير ، فيسلم مما خافه عيسى وأنكره .
وقوله : إن شئتم . . . . . إلخ ، حمله عيسى على أنه أسلم إليهم جميع الثمرة بعد الخرص ليضمنوا حصة المسلمين ، ولو كان هذا معناه لم يجز ؛ لأنه بيع الثمر بالثمر بالخرص في غير العرية ، وإنما معناه خرص الزكاة فكأنه قال : إن شئتم أن [ ص: 541 ] تأخذوا الثمرة على أن تؤدوا زكاتها على ما خرصته ، وإلا فأنا أشتريها من الفيء بما يشترى به فيخرج بهذا الخرص ، وذلك معروف لمعرفتهم بسعر الثمر إن حمل على خرص القسمة لاختلاف الحاجة ، فمعناه إن شئتم هذا النصيب فلكم ، وإن شئتم فلي ، يبين ذلك أن الثمرة ما دامت في رءوس النخل ليس بوقت قسمة ثمر المساقاة ؛ لأن على العامل جذها والقيام عليها حتى يجري فيها الكيل أو الوزن ، فثبت بهذا أن الخرص قبل ذلك لم يكن للقسمة إلا بمعنى اختلاف الأغراض .
وقال ابن عبد البر : الخرص في المساقاة لا يجوز عند جميع العلماء ؛ لأن المساقيين شريكان لا يقتسمان إلا بما يجوز به بيع الثمار بعضها ببعض ، وإلا دخلته المزابنة ، قالوا : وإنما بعث - صلى الله عليه وسلم - من يخرص على اليهود لإحصاء الزكاة ؛ لأن المساكين ليسوا شركاء معينين ، فلو ترك اليهود وأكلها رطبا وتصرف فيها أضر ذلك سهم المسلمين ، قالت عائشة : إنما أمر - صلى الله عليه وسلم - بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق ، وفيه جواز المساقاة ، وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، ومنعها أبو حنيفة مستدلا بوجوه : أولها نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة ، وهي مشتقة من خيبر ، أي نهى عن الفعل الذي وقع في خيبر من المساقاة ، فحديث الجواز منسوخ ، وتعقب بأن العرب كانت تعرف المخابرة قبل الإسلام وهي عندهم كراء الأرض بما يخرج منها ، مأخوذة من الخبرة التي هي العلم بالخفيات ، وقيل : الخبر الحرث ، والمخابرة مشتقة منه ، ومنه سمي الزارع خيبرا ، وبأن في الصحيحين عن ابن عمر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353828عامل - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع " ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر ، ثم أجلاهم عمر إلى تيما وأريحا ، وكذا عمل بها عثمان والخلفاء بعدهم .
أفتراهم كانوا يجهلون حديث النهي عن المخابرة ، أو يدعى نسخ الحديث وقد عمل به الصحابة والعمل بالمنسوخ حرام إجماعا ؟ .
ثانيها : أن يهود خيبر كانوا عبيدا للمسلمين ، ويجوز مع العبد ما يمتنع مع الأجنبي ، والذي قدره لهم - صلى الله عليه وسلم - من شطر الثمر والزرع هو قوت لهم ؛ لأن نفقة العبد على المالك ، وتعقب بأنهم لو كانوا عبيدا امتنع ضرب الجزية عليهم وإخراجهم إلى الشام ونفيهم في أقطار الأرض ؛ لأنه إضاعة لمال المسلمين ، وبأن ابن رواحة قال لهم : إن شئتم فلكم وتضمنون نصيب المسلمين ، وإن شئتم فلي وأضمن نصيبكم ، والسيد على قوله لا يصح ضمانه عن عبده ؛ لأنه لا يملك عندهم ، إذ ماله للسيد ، فهذا يدل على أنهم كانوا مالكين .
ثالثها : نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ، والأجرة هنا فيها غرر إذ لا يدرى هل تسلم الثمرة أم لا ؟ وعلى سلامتها لا يدرى كيف تكون وما مقدارها ، وأجيب بأن حديث الجواز خاص والنهي عن الغرر عام ، والخاص يقدم على العام .
رابعها : أن الخبر إذا ورد على خلاف القواعد رد إليها ، وحديث الجواز على خلاف ثلاث قواعد : بيع الغرر ، والإجارة بمجهول ، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها [ ص: 542 ] والكل حرام إجماعا .
وأجيب بأن الخبر إنما يجب رده إلى القواعد إذا لم يعمل به ، أما إذا عمل به قطعنا بإرادة معناه فيعتقد ، ولا يلزم الشارع إذا شرع حكما أن يشرعه مثل غيره ، بل له أن يشرع ما له نظير وما لا نظير له ، فدل ذلك على أنها مستثناة من تلك الأصول للضرورة ؛ إذ لا يقدر كل أحد على القيام بشجره ولا زرعه .
خامسها : أن ذلك لا يجوز قياسا على تنمية الماشية ببعض نمائها ، وأجيب بأن الماشية لا يتعذر بيعها عند العجز عن القيام بها ، بخلاف الزرع الصغير والثمرة .