35 - كتاب الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وحكي ضمها ، وقال بعضهم : لا يجوز غير السكون وهي لغة الضم على الأشهر من شفعت الشيء ضممته ، فهو ضم نصيب إلى نصيب ، ومنه شفع الأذان ، وقيل من الشفع ضد الوتر ، لأنه ضم نصيب شريكه إلى نصيبه ، وهذا قريب مما قبله ، وقيل من الزيادة ؛ لأنه يزيد ما يأخذه منه إلى ماله ، وقيل في قوله تعالى : ( من يشفع شفاعة حسنة ) ( سورة النساء : الآية 85 ) أن معناه من يزد عملا صالحا إلى عمله ، وقيل : من الشفاعة لأنه يتشفع بنصيبه إلى نصيب صاحبه ، وقيل : لأنهم كانوا في الجاهلية إذا باع الشريك حصته أتى المجاور شافعا إلى المشتري ليوليه ما اشتراه وهذا أظهر ، وشرعا : استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمن .
1 - باب ما يقع فيه الشفعة
تقدم غير ما مرة أن الإمام تارة يقدم البسملة على ( كتاب ) وتارة يؤخرها عنه تفننا .
1420 1387 - ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ) بن حزن المخزومي ( وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ) الزهري ، قال ابن عبد البر : مرسل عن مالك لأكثر رواة الموطأ وغيرهم ، ووصله عنه عبد الملك بن الماجشون وأبو عاصم النبيل ويحيى بن أبي قتيلة وابن وهب بخلف عنه ، فقالوا عن أبي هريرة ، وذكر الطحاوي أن قتيبة وصله أيضا عن مالك ، فالله أعلم .
وكذا اختلف فيه رواة ابن شهاب ، فرواه ابن إسحاق عنه عن سعيد وحده عن أبي هريرة ، ويونس عنه عن سعيد وحده مرسلا ، ورواه معمر عن الزهري عن [ ص: 559 ] أبي سلمة عن جابر ، قال أحمد : رواية معمر حسنة ، وقال ابن معين : رواية مالك أحب إلي وأصح ، يعني مرسلا عن سعيد وأبي سلمة ، وأسند هذه الروايات كلها في التمهيد ثم قال : كان ابن شهاب أكثر الناس بحثا عن هذا الشأن ، فربما احتج له في الحديث جماعة فحدث به مرة عن أحدهم بقدر نشاطه حين تحديثه ، وربما أدخل حديث بعضهم في بعض كما صنع في حديث الإفك وغيره ، وربما كسل فأرسل ، وربما انشرح فوصل ، فلذا اختلف أصحابه عليه اختلافا كثيرا اهـ .
ومثله يقال في مالك ورواية معمر في الصحيحين .
( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشفعة ) بين الشركاء ( فيما ) أي في كل مشترك مشاع قابل للقسمة ( لم يقسم ) بالفعل ( بين الشركاء ، فإذا وقعت الحدود ) جمع حد ، وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة ، وأصل الحد المنع ، فتحديد الشيء بمنع خروج شيء منه وبمنع دخوله فيه ، زاد في حديث جابر عند البخاري : وصرفت الطرق بضم الصاد المهملة وكسر الراء مخففة ومثقلة أي بينت مصارفها وشوارعها ( بينهم ) أي الشركاء ( فلا شفعة فيه ) لأنه لا محل لها بعد تمييز الحقوق بالقسمة فصارت غير مشاعة ، وهذا الحديث نص في ثبوت الشفعة في المشاع ، وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات ، وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار ، وهو مشهور مذهب مالك والشافعي وأحمد ؛ لأنه أكثر الأنواع ضررا ، والمراد العقار المحتمل للقسمة ، فما لا يحتملها لا شفعة فيه ؛ لأن بقسمه تبطل منفعته .
وعن مالك رواية بالشفعة احتمل القسمة أم لا .
وللبيهقي عن ابن عباس مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353843الشفعة في كل شيء " ورجاله ثقات ، لكن أعل بالإرسال ، إلا أن له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس به ، وشذ عطاء فأخذ بظاهره فقال : في كل شيء حتى الثوب ، ونقله بعض الشافعية عن مالك ، ورد بأنه لا يعرف عند أصحابه ، وحمله الجمهور على العقار لحديث الباب ونحوه ، وهو أصل في ثبوت الشفعة .
وأخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر بلفظ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353844قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط ، ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به " والربعة بفتح الراء تأنيث الربع وهو المنزل والحائط والبستان ، وفيه أنه لا شفعة للجار ؛ لأنه حصر الشفعة فيما لا يقسم ، فما قسم لا شفعة فيه وقد صار جارا ، وبه قال الجمهور ، وأثبتها أبو حنيفة والكوفيون للجار ، ولو اقتصر على قوله فإذا وقعت الحدود لكان قويا في الرد عليهم ، لكن ضم إليه قوله " وصرفت الطرق " فقال الجمهور : المراد بها التي كانت قبل القسم ، وقال الحنفية : المراد صرف الطرق التي يشترك فيها الجار ، ويبقى النظر في أي التأويلين أظهر ، واحتجوا أيضا بحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353845الجار أحق بصقبه " رواه البخاري وأبو داود والنسائي مرفوعا ، ولا [ ص: 560 ] حجة فيه لاحتمال أن المراد أنه أحق بتحويزه وصلته وهو أولى ، إذ حمله على الشفعة يستلزم أن الجار أحق من الشريك ولا قائل به ، والصقب بفتحتين وصاد أو سين ، أي بسبب قربه من غيره ، واحتجوا أيضا بحديث أبي داود والترمذي مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353846جار الدار أحق بدار الجار " وأجيب بأنه لم يبين ما هو أحق هل بالشفعة أو غيرها من وجوه الرفق والمعروف فلا حجة فيه ، ولاحتمال أن يريد بالجار الشريك والمخالط كما قال الأعشى يخاطب زوجته :
أجارتنا بيني فإنك طالق
.
فسماها جارة لأنها مخالطة ، وأقوى حججهم حديث أصحاب السنن عن جابر مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353847الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا ، فإنه بين بما يكون أحق ، ونبه على الاشتراك في الطريق ، لكنه حديث ضعيف كما قال أحمد وابن معين والبخاري والترمذي وابن عبد البر وغيرهم ، وبالجملة فأحاديث الشفعة ليس فيها ما يعارض حديث الباب ؛ لأنه ظاهر أو نص في نفي الشفعة للجار بخلاف تلك ، فيتطرق إليها الاحتمالات ، وزعم بعضهم أن قوله : فإذا وقعت الحدود . . . . إلخ مدرج ; لأن الأول كلام تام ، والثاني مستقل ، ولو كان الثاني مرفوعا لقيل : وقال وإذا وقعت . . . . . إلخ ، وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بالاحتمال العقلي والتشهي ، والأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل كمجيء رواية مبنية للقدر المدرج ، أو استحالة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله ، وقد قوى حديثنا إجماع أهل المدينة عليه ( كما قال مالك : وعلى ذلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا ) وقال أحمد : إذا اختلفت الأحاديث فالحجة فيما عمل به أهل المدينة .